لم يحصل استيفاء من الأكل والاستمتاع به للنفس حتى ظهرت تباشيرُ العقاب ؛ وتَنَغُّصِ الحال ، وكذا صفة مَنْ آثر على الحق - سبحانه - شيئاً يبقيه عنه ، فلا يكون له بما آثر استمتاع . وكذلك مَنْ ادَّخَر عن الله - سبحانه - نَفْسَه أو مالَه أو شيئاً بوجهٍ من الوجوه - لا يبارك الله فِيه ، قال تعالى في صفة الأعداء :{ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ }[ الحج : 11 ] .
ويقال لمَّا بَدَتْ سوأتهما احتالا في السَّتْرِ ، وطَفِقَا يخصفان عليهما من ورق الجنة فبعدما كانت كسوتهما حُلَلَ الجنة ظَّلا يستتران بورق الجنة ، كما قيل :
لله دَرُّهمُ مِنْ فِتْيَةٍ بكروا *** مثل الملوك ، وراحوا كالمساكين
لا تعجبوا لمذلتي فأنا الذي *** عَبَثَ الزمان بمهجتي فأذَلَّها
ثم إن آدم عليه السلام لم يساعده الإمكان في الاستتار بالورق إذ كانت الأشجار أجمع كلُّها تتطاول وتأبى أن يأخذ آدم - عليه السلام - شيئاً من أوراقها . وقيل ذلك كان لا يلاحِظ الجنة فكان يتيه على الكون بأسره ولكنه صار كما يقال :
وكانت - على الأيام - نفسي عزيزة *** فلمَّا رأت صبري على الذلِّ ذلَّتِ
ولمّا أُخْرِج آدمُ من الجنة وأُسْكِن الأرض كلّف العملَ والسعيَ والزرع والغرس ، وكان لا يتجدد له حال إلا تجدّد بكاؤه ، وجبريل - عليه السلام - يأتيه ويقول : أهذا الذي قيل لك :{ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى }[ طه : 118 ] .
فَلَمْ تعرِف قدره . " فَذُقْ جزايا خِلافِك " فكان يسكن عن الجزع . ويقال بل الحكم بالخنوع كما قيل :
وجاشَتْ إليَّ النفسُ أوَّلَ مرةٍ *** وزيدت على مكروهها فاستقرتِ
قوله جلّ ذكره : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَنَاداهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةَ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ } .
كانت لا تصل يدُه إلى الأوراق حين أراد قطافها ليخصفها على نفسه ، فلو لم تصل يده إلى تلك الشجرة - التي هي شجرة المحنة - لكان ذلك عنايةً بشأنه ، ولكن وصلت يده إلى شجرة المحنة ، تتمةً للبلاء والفتنة ، ولو لم تصل يده إلى شجرة الستر - إبلاغاً في القهر - لَمَا خالف الأمر ، ولَمَا حَصَلَ ما حَصَلَ .
{ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ } : فكان ما دَاخَلَهما من الخجل أشدَّ من كل عقوبة ؛ لأنهما لو كانا من الغيبة عند سماع النداء فإن الحضور يوجب الهيبة ، فلما ناداهما بالعتاب حَلَّ بهما من الخجل ما حلّ ، وفي معناه أنشدوا :
واخجلتا من وقوفي وَسْطَ دَارِهمُ *** إذ قال لي مغضبا : من أنت يا رجل ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.