ومن هنا إلى نهاية السورة تبدأ مشاهد اليوم الآخر . مشهد الانقلاب الكوني يوم القيامة . وما يعقبه من مشاهد الحساب . ومشاهد العذاب والثواب .
ويبدأ استعراض هذه المشاهد بمشهد كوني يتناسب مع مطالع السورة ومجالها الكوني :
( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ) .
وردة حمراء ، سائلة كالدهان . . ومجموع الآيات التي وردت في صفة الكون يوم القيامة تشير كلها إلى وقوع دمار كامل في هذه الأفلاك والكواكب ، بعد انفلاتها من النسق الذي يحكمها الآن ، وينسق بين مداراتها وحركاتها . منها هذه الآية . ومنها : ( إذا رجت الأرض رجا ، وبست الجبال بسا ، فكانت هباء منبثا ) . .
ومنها : ( فإذا برق البصر ، وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر ) . . ومنها : ( إذا الشمس كورت ، وإذا النجوم انكدرت ، وإذا الجبال سيرت . وإذا العشار عطلت . وإذا الوحوش حشرت . وإذا البحار سجرت ) . .
ومنها : ( إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت . وإذا البحار فجرت ) . . ومنها : ( إذا السماء انشقت ، وأذنت لربها وحقت . وإذا الأرض مدت ، وألقت ما فيها وتخلت ، وأذنت لربها وحقت ) . . وهذه وغيرها تشير إلى ذلك الحادث الهائل الذي سيقع في الكون كله . ولا يعلم حقيقته إلا الله . .
{ فَإِذَا انشقت السماء } أي انصدعت يوم القيامة ، وحديث امتناع الخرق حديث خرافة ، ومثله ما يقوله أهل الهيئة اليوم في السماء على أن الانشقاق فيها على زعمهم أيضاً متصور { فَكَانَتْ وَرْدَةً } أي كالوردة في الحمرة ، والمراد بها النور المعروف قاله الزجاج . وقتادة ، وقال ابن عباس . وأبو صالح : كانت مثل لون الفرس الورد ، والظاهر أن مرادهما كانت حمراء .
وقال الفراء : أريد لون الفرس الورد يكون في الربيع إلى الصفرة ، وفي الشتاء إلى الحمرة ، وفي اشتداد البرد إلى الحمرة فشبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل ، وروي هذا عن الكلبي أيضاً ، وقال أبو الجوزاء : { وَرْدَةً } صفراء والمعول عليه إرادة الحمرة ، ونصب { وَرْدَةً } على أنه خبر كان ، وفي الكلام تشبيه بليغ ، وقرأ عبيد بن عمير { وَرْدَةً } بالرفع على أن كان تامة أي فحصلت سماء وردة فيكون من باب التجريد لأنه بمعنى كانت منها ، أو فيها سماء وردة مع أن المقصود أنها نفسها كذلك فهو كقول قتادة بن مسلمة
: فلئن بقيت لأرحلن بغزوة *** نحو المغانم أو يموت كريم
حيث عني بالكريم نفسه ، وقوله تعالى : { كالدهان } خبر ثان لكانت أو نعت لوردة أو حال من اسم كانت على رأي من أجازه أي كدهن الزيت كما قال تعالى : { كالمهل } [ الكهف : 29 ] وهو دردي الزيت ، وهو إما جمع دهن كقرط وقراط ، أو اسم لما يدهن به كالحزام والادام ، وعليه قوله في وصف عينين كثيرتي التذارف
: كأنهما مزادتا متعجل *** فريان لما تدهنا ( بدهان )
وهو الدهن أيضاً إلا أنه أخص لأنه الدهن باعتبار إشرابه الشيء ، ووجه الشبه الذوبان وهو في السماء على ما قيل من حرارة جهنم وكذا الحمرة ، وقيل : اللمعان ، وقال الحسن : أي كالدهان المختلفة لأنه تتلون ألوانا ؛ وقال ابن عباس : الدهان الأديم الأحمر ؛ ومنه قول الأعشى
: وأجرد من كرام الخيل طرف *** كأن على شواكله ( دهانا )
وهو مفرد ، أو جمع ، واستدل للثاني بقوله
: تبعن ( الدهان ) الحمر كل عشية *** بموسم بدر أو بسوق عكاظ
وإذا شرطية جوابها مقدر أي كان ما كان مما لا تطيقه قوة البيان ، أو وجدت أمراً هائلاً ، أو رأيت ما يذهل الناظرين وهو الناصب لإذا ، ولهذا كان مفرعاً ومسبباً عما قبله لأن في إرسال الشواظ ما هو سبب لحدوث أمر هائل ، أو رؤيته في ذلك الوقت .
{ 37 } { فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ }
{ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ } [ أي ] يوم القيامة من شدة الأهوال ، وكثرة البلبال ، وترادف الأوجال ، فانخسفت شمسها وقمرها ، وانتثرت نجومها ، { فَكَانَتْ } من شدة الخوف والانزعاج { وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } أي : كانت كالمهل والرصاص المذاب ونحوه
قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان* فإذا انشقت } ، انفرجت ، { السماء } ، فصارت أبواباً لنزول الملائكة . { فكانت وردة } أي كلون الفرس الورد ، وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة والصفرة ، قال قتادة : إنها اليوم خضراء ، ويكون لها يومئذ لون آخر يضرب إلى الحمرة . وقيل : إنها تتلون ألوانا يومئذ كلون الفرس الورد يكون في الربيع أصفر وفي الشتاء أحمر فإذا اشتد الشتاء كان أغبر فشبه السماء في تلونها عند انشقاقها بهذا الفرس في تلونه . { كالدهان } جمع دهن . شبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل ، وشبه الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه ، وهو قول الضحاك ومجاهد وقتادة والربيع . وقال عطاء بن أبي رباح : كالدهان كعصير الزيت يتلون في الساعة ألوانا وقال مقاتل : كدهن الورد الصافي . وقال ابن جريج تصير السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصيبها حر جهنم . وقال الكلبي : كالدهان أي كالأديم الأحمر وجمعه أدهنة ودهن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.