ثم يبدأ جولة جديدة مع الحقيقة الأولى :
( الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان . وما يدريك لعل الساعة قريب . يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ، والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ، ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد . الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز . من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ، وما له في الآخرة من نصيب ) . .
فالله أنزل الكتاب بالحق وأنزل العدل ؛ وجعله حكما فيما يختلف فيه أصحاب العقائد السالفة ، وفيما تختلف فيه آراء الناس وأهواؤهم ؛ وأقام شرائعه على العدل في الحكم . العدل الدقيق كأنه الميزان توزن به القيم ، وتوزن به الحقوق . وتوزن به الأعمال والتصرفات .
وينتقل من هذه الحقيقة . حقيقة الكتاب المنزل بالحق والعدل . إلى ذكر الساعة . والمناسبة بين هذا وهذه حاضرة ، فالساعة هي موعد الحكم العدل والقول الفصل . والساعة غيب . فمن ذا يدري إن كانت على وشك :
( وما يدريك لعل الساعة قريب ? ) . .
والناس عنها غافلون ، وهي منهم قريب ، وعندها يكون الحساب القائم على الحق والعدل ، الذي لا يهمل فيه شيء ولا يضيع . .
{ الله الذي أَنزَلَ الكتاب } جنس الكتاب أو الكتاب المعهود أو جميع الكتب { بالحق } ملتبساً بالحق بعيداً من الباطل في أحكامه وأخباره أو ملتبساً بما يحق ويجب من العقائد والأحكام { والميزان } أي العدل كما قال ابن عباس . ومجاهد . وقتادة . وغيرهم أو الشرع الذي يوزن به الحقوق ويسوى بين الناس ، وعلى الوجهين فيه استعارة ونسبة الانزال إليه مجاز لأنه من صفات الأجسام والمنزل حقيقة من بلغه ، واعتبر بعضهم الأمر أي أنزل الأمر بالميزان ، وتعقب بأنه أيضاً محتاج إلى التأويل ، وقد يقال : نسبة الإنزال وكذا النزول إلى الأمر مشهورة جداً فالتحقت بالحقيقة ، ويجوز أن يتجوز في الإنزال ويقال نحو ذلك في { أَنزَلَ الكتاب } وعن مجاهد أن الميزان الآلة المعروفة فعلى هذا إنزاله على حقيقته ، وجوز أن يكون على سبيل الأمر به ، واستظهر الأول لما نقل الزمخشري في الحديد أنه نزل إلى نوح وأمران يوزن به ، وكون المراد به ميزان الأعمال بعيد هنا .
{ وَمَا يُدْرِيكَ } أي أي شيء يجعلك دارياً أي عالماً { لَعَلَّ الساعة } أي إتيان الساعة الذي أخبر به الكتاب الناطق بالحق فالكلام بتقدير مضاف مذكر ، وقوله تعالى : { قَرِيبٌ } خبر عنه في الحقيقة لأن المحذوف بقرينة كالملفوظ وهو وجه في تذكيره ؛ وجوز أن يكون لتأويل الساعة بالبعث وأن يكون { قَرِيبٌ } من باب بامر ولابن أي ذات قرب إلى أوجه أخر تقدمت في الكلام على قوله تعالى : { إن رحمة الله قريب } [ الأعراف : 56 ] وأياً ما كان فالمعنى إن الساعة على جناح الإتيان فاتبع الكتاب وواظب على العدل واعمل بالشرع قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه الأعمال ويوفي جزاؤها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.