الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ} (17)

وقوله سبحانه : { الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق } معناه : مضمناً الحق ، أي : بالحق في أحكامه ، وأوامره ، ونواهيه ، وأخباره ، { والميزان } هنا : العدل ؛ قاله ابن عباس ومجاهد ، والناس ، وحكى الثعلبيُّ عن مجاهد ؛ أَنَّهُ قال : هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس ، قال ( ع ) : ولا شَكَّ أَنَّه داخل في العدل وجزء منه .

وقوله تعالى : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ } وعيدٌ للمشركين ، وجاء لفظ قريب مُذَكَّراً من حيثُ تأنيثُ السَّاعَةِ غيرُ حقيقيٍّ ، وإذْ هي بمعنى الوقت ، ( ت ) : ينبغي للمؤمن العاقل أنْ يتدبَّر هذه الآيةَ ونظائرها ، ويقدِّر في نفسه أَنَّه المقصود بها :

لاَهٍ بِدُنْيَاهُ وَالأَيَّامُ تَنْعَاهُ *** وَالْقَبْرُ غَايَتُهُ وَاللَّحْدُ مَأْوَاهُ

يَلْهُو فَلَوْ كَانَ يَدْرِي مَا أُعِدَّ لَه *** إذَنْ لأَحْزَنَهُ مَا كَانَ أَلْهَاهُ

قال الغَزَّاليُّ في «الإحياء » قال أبو زكريَّا التَّيْمِيُّ : بينما سليمانُ بنُ عبد الملك في المسجد الحرام ؛ إذ أُوتِيَ بحَجَرٍ منقوشٍ ، فَطَلَبَ مَنْ يَقْرَؤُهُ ، فأوتي بِوهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، فإذا فيه : ابنَ آدمَ ، إنك لو رأيْتَ قُرْبَ ما بَقِيَ من أَجْلِك ، لَزَهِدْتَ في طول أملك ؛ وَلَرَغِبْتَ في الزيادَةِ مِنْ عَمَلِك ، وَلَقَصَّرْتَ مِنْ حِرْصِكَ وحِيَلِكَ ، وإنما يلقاك غَداً نَدَمُك ؛ لو قد زَلَّتْ بك قَدَمُك ، وأسلمك أَهلُكَ وَحْشَمُك ، فَفَارَقَكَ الوَلَدُ والقَرِيب ؛ وَرَفَضَكَ الوَالِدُ والنَّسِيب ، فلا أَنْتَ إلى دُنْيَاك عائد ؛ ولا في حَسَنَاتِك زَائِد ، فاعمل ليومِ القيامهْ ، قبل الحسرة والندامهْ .

فبكى سليمان بكاءً شديداً ، انتهى . وباقي الآية بيِّن .