فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ} (17)

{ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ } المراد به الجنس فيشمل جميع الكتب المنزلة على الرسل ، وقيل المراد به القرآن خاصة { بِالْحَقِّ } متعلق بمحذوف أي متلبسا بالحق وهو الصدق { وَالْمِيزَانَ } أي العدل كذا قال أكثر المفسرين قالوا وسمي العدل ميزانا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية بين الخلق ، فالميزان متجوز به عنه استعمالا للسبب في المسبب وقيل الميزان ما بين الكتب المنزلة مما يجب على كل إنسان أن يعمل به ، وقيل : هو الجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب .

وقال قتادة : الميزان العدل فيما أمر به ونهى عنه وإنزال العدل هو الأمر والتكليف به ، وقيل : إنه الميزان على نفسه أنزله الله من السماء في زمن نوح عليه السلام ، وعلم العباد الوزن به لئلا يكون بينهم تظالم وتباخس ، كما في قوله { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } ، وقيل : هو محمد صلى الله عليه وسلم يقضي بينكم بكتاب الله وقال مجاهد : هو الذي يوزن به .

{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ } أي أيّ شيء يجعلك داريا بها ، عالما بوقتها ، لعلها شيء قريب ، أو قريب مجيئها ، أو ذات قرب أو إتيانها قريب وقال { قَرِيبٌ } ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي .

قال الزجاج : المعنى لعل البعث أو لعل مجيء الساعة قريب وقال الكسائي قريب نعت ينعت به المؤنث والمذكر كما في قوله : إن رحمة الله قريب من المحسنين . وقال الكرخي : ولا يقال : إنّ " قريب " يستوي فيه المؤنث والمذكر لأن فعيلا هنا بمعنى فاعل ، ولا يستوي فيه ما ذكر والاستفهام إنكاري أي لا سبب يوصلك للعمل بقربها إلى الوحي الذي ينزل عليك قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم " ذكر الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا متى تقوم تكذيبا لها فأنزل الله هذه الآية ، " ويدل على هذا قوله : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ( 18 ) }