روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ} (17)

{ الله الذي أَنزَلَ الكتاب } جنس الكتاب أو الكتاب المعهود أو جميع الكتب { بالحق } ملتبساً بالحق بعيداً من الباطل في أحكامه وأخباره أو ملتبساً بما يحق ويجب من العقائد والأحكام { والميزان } أي العدل كما قال ابن عباس . ومجاهد . وقتادة . وغيرهم أو الشرع الذي يوزن به الحقوق ويسوى بين الناس ، وعلى الوجهين فيه استعارة ونسبة الانزال إليه مجاز لأنه من صفات الأجسام والمنزل حقيقة من بلغه ، واعتبر بعضهم الأمر أي أنزل الأمر بالميزان ، وتعقب بأنه أيضاً محتاج إلى التأويل ، وقد يقال : نسبة الإنزال وكذا النزول إلى الأمر مشهورة جداً فالتحقت بالحقيقة ، ويجوز أن يتجوز في الإنزال ويقال نحو ذلك في { أَنزَلَ الكتاب } وعن مجاهد أن الميزان الآلة المعروفة فعلى هذا إنزاله على حقيقته ، وجوز أن يكون على سبيل الأمر به ، واستظهر الأول لما نقل الزمخشري في الحديد أنه نزل إلى نوح وأمران يوزن به ، وكون المراد به ميزان الأعمال بعيد هنا .

{ وَمَا يُدْرِيكَ } أي أي شيء يجعلك دارياً أي عالماً { لَعَلَّ الساعة } أي إتيان الساعة الذي أخبر به الكتاب الناطق بالحق فالكلام بتقدير مضاف مذكر ، وقوله تعالى : { قَرِيبٌ } خبر عنه في الحقيقة لأن المحذوف بقرينة كالملفوظ وهو وجه في تذكيره ؛ وجوز أن يكون لتأويل الساعة بالبعث وأن يكون { قَرِيبٌ } من باب بامر ولابن أي ذات قرب إلى أوجه أخر تقدمت في الكلام على قوله تعالى : { إن رحمة الله قريب } [ الأعراف : 56 ] وأياً ما كان فالمعنى إن الساعة على جناح الإتيان فاتبع الكتاب وواظب على العدل واعمل بالشرع قبل أن يفاجئك اليوم الذي توزن فيه الأعمال ويوفي جزاؤها .