التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ} (17)

ثم بين - سبحانه - حال الكافرين والمؤمنين بالنسبة ليوم القيامة ، كما بين جانبا من فضله على عباده ، ومن حرمته بهم ، فقال - تعالى - : { الله الذي أَنزَلَ . . . فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ } .

والمراد بالكتاب فى قوله - تعالى - : { الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق والميزان } جنسه أى : جميع الكتب السماوية التى أنزلها على أنبيائه .

والمراد بالميزان : العدل والقسط الذى تضمنته شريعته - عز وجل - وأمر الناس بإقامته بينهم فى أمور معاشهم .

وتسمية العدل بالميزان من باب تسمية الشئ باسم آلته ، لأن الميزان آلة الإِنصاف والقسط بين الناس فى معاملاتهم .

قال - تعالى - : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط } وقال - سبحانه - : { الرحمن عَلَّمَ القرآن خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ والنجم والشجر يَسْجُدَانِ والسمآء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الميزان أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان } أى : الله - تعالى - هو وحده الذى أنزل جميع الكتب السماوية لهداية الناس ومنفعتهم ، وقد أنزلها - سبحانه - ملتبسة بالحق الذى لا يحوم حوله باطل ، وأنزل كذلك شريعته العادلة ليتحاكم إليها الناس فى قضاياهم ومعاملاتهم .

وقوله - تعالى - : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ } إرشاد إلى أن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله - تعالى - :

أى : إن وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله - تعالى - وحده ، وأى شئ يجعلكم عالما بوقتها إذا كان مرد علمها إلى الله وحده ، ومع ذلك لعل وقت قيامها قريب .

وقال : { قَرِيبٌ } ولم يقل قريبة ، لأن تأنيث الساعة غير حقيقى ، أو لأن لفظ فعيل يستوى فيه المذكر والمؤنث ، كما فى قوله - تعالى - : { إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين } وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { يَسْأَلُكَ الناس عَنِ الساعة قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً }