اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ} (17)

قوله تعالى : { الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق والميزان } قال قتادة ومجاهد ومقاتل : سمي العدل ميزاناً ؛ لأن الميزان آلة للإنصاف والتسوية . قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[49173]} أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس{[49174]} .

ومعنى الآية أنه تعالى أنزل الكتاب المشتمل على الدلائل والبيِّنات{[49175]} وأنزل الميزان وهو الفصل الذي هو القسطاس المستقيم وأنهم لا يعلمون أن القيامة حق{[49176]} يفاجئهم ، ومتى كان الأمر كذلك وجب على العاقل أن يجتهد{[49177]} في النظر والاستدلال ، ويترك طريقة أهل الجهل والتقليد . ولما كان الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام يهددهم يوم القيامة ولم يروا لذلك أثراً قالوا على سبيل السخرية متى تقوم الساعة ؟ وليتها قامت حتى يظهر لنا الحقّ أهو الذي نحن عليه أم الذي عليه محمد وأصحابه{[49178]} ؟ ! .

قوله : { لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ } إنما ذكر «قريب » وإن كان صفة لمؤنث لأن الساعة في معنى الوقت أو البعث أو على معنى النَّسب أي ذات قُرْبٍ{[49179]} ، أو على حذف مضاف ، أي مجيء الساعة{[49180]} .

وقيل للفرق بينها وبين قرابة النسب{[49181]} . وقيل : لأن تأنيثها مجازي نقله مكي{[49182]} . وليس بشيء ، إذ لا يجوز : الشمسُ طالعٌ ، ولا القِدْرُ فائِرٌ ، وجملة الترجي أو الإشفاق معلِّقة للدراية . وتقدم مثله آخر الأنبياء{[49183]} .


[49173]:زيادة من أ.
[49174]:في ب الفحش وما هنا في أ موافق لما في البغوي 6/120.
[49175]:في ب البيانات جمع بيان وما في أ هنا موافق لما في الرازي بينات جمع بينة.
[49176]:في الرازي: متى تفاجئهم.
[49177]:وفيه: أن يجد ويجتهد.
[49178]:وانظر الرازي 27/159.
[49179]:ذكر هذه الأوجه ابن الأنباري في البيان 2/364 ومكي في المشكل 2/277، وانظر التبيان 1132.
[49180]:ذكره الزمخشري في كشافه 3/495 والسمين في الدر 4/750.
[49181]:في النسختين قراءة النسب وهو تصحيف والأصح ما كتبته أعلى.
[49182]:مشكل إرعراب القرآن 2/276 والبيان 2/346 وقد قال بالتأنيث المجازي الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 4/396 والقرطبي في الجامع 16/15.
[49183]:من قوله: {وأن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين} [الأنبياء: 111]. وانظر اللباب 6/353 ب ميكروفيلم.