في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِيزَانَۗ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٞ} (17)

ثم يبدأ جولة جديدة مع الحقيقة الأولى :

( الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان . وما يدريك لعل الساعة قريب . يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ، والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ، ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد . الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز . من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ، وما له في الآخرة من نصيب ) . .

فالله أنزل الكتاب بالحق وأنزل العدل ؛ وجعله حكما فيما يختلف فيه أصحاب العقائد السالفة ، وفيما تختلف فيه آراء الناس وأهواؤهم ؛ وأقام شرائعه على العدل في الحكم . العدل الدقيق كأنه الميزان توزن به القيم ، وتوزن به الحقوق . وتوزن به الأعمال والتصرفات .

وينتقل من هذه الحقيقة . حقيقة الكتاب المنزل بالحق والعدل . إلى ذكر الساعة . والمناسبة بين هذا وهذه حاضرة ، فالساعة هي موعد الحكم العدل والقول الفصل . والساعة غيب . فمن ذا يدري إن كانت على وشك :

( وما يدريك لعل الساعة قريب ? ) . .

والناس عنها غافلون ، وهي منهم قريب ، وعندها يكون الحساب القائم على الحق والعدل ، الذي لا يهمل فيه شيء ولا يضيع . .