في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} (127)

121

ثم يبين حكمة هذا النصر . . أي نصر . . وغاياته التي ليس لأحد من البشر منها شيء :

( ليقطع طرفا من الذين كفروا . أو يكبتهم فينقلبوا خائبين - ليس لك من الأمر شيء - أو يتوب عليهم . أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) . .

إن النصر من عند الله . لتحقيق قدر الله . وليس للرسول [ ص ] ولا للمجاهدين معه في النصر من غاية ذاتية ولا نصيب شخصي . كما أنه ليس له ولا لهم دخل في تحقيقه ، وإن هم إلا ستار القدرة تحقق بهم ما تشاء ! فلا هم أسباب هذا النصر وصانعوه ؛ ولا هم أصحاب هذا النصر ومستغلوه ! إنما هو قدر الله يتحقق بحركة رجاله ، وبالتأييد من عنده . لتحقيق حكمة الله من ورائه وقصده :

( ليقطع طرفا من الذين كفروا ) . .

فينقص من عددهم بالقتل ، أو ينقص من أرضهم بالفتح ، أو ينقص من سلطانهم بالقهر ، أو ينقص من أموالهم بالغنيمة ، أو ينقص من فاعليتهم في الأرض بالهزيمة !

( أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ) . .

أي يصرفهم مهزومين أذلاء ، فيعودوا خائبين مقهورين .

/خ179

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} (127)

قوله : { ليقطع طرفاً } متعلّق ب ( النَّصر ) باعتبار أنَّه علَّة لبعض أحوال النصر ، أي ليقطع يوم بدر طرفاً من المشركين .

والطَّرف بالتحريك يجوز أن يكون بمعنى النَّاحية ، ويخصّ بالنَّاحية الَّتي هي منتهى المكان ، قال أبو تمّام :

كانت هي الوسَطَ المحميّ فاتّصلتْ *** بها الحَوادث حتَّى أصبحت طَرفا

فيكون استعارة لطائفة من المشركين كقوله تعالى : { أو لم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } [ الرعد : 41 ] ويجوز أن يكون بمعنى الجزء المتطرّف من الجسد كاليدين والرجلين والرأس فيكون مستعاراً هنا لأشراففِ المشركين ، أي ليقطع من جسم الشرك أهم أعضائه ، أي ليستأصل صناديد الَّذين كفروا .

وتنكير ( طرفاً ) للتفخيم ، ويقال : هو من أطراف العرب ، أي من أشرافها وأهل بيوتاتها .

ومَعنى { أو يكبتهم } يصيبهم بغمّ وكمد ، وأصل كبت كَبَد بالدال إذا أصابه في كَبده . كقولهم : صُدرَ إذا أصيب في صدره ، وكُلِيَ إذا أصيب في كُلْيَتِه ، ومُتِنَ إذا أصيب في مَتْنه ، ورُئي إذا أصيب في رِئته ، فأبدلت الدال تاء وقد تبدل التاء دالاً كقولهم : سَبَد رأسَه وسبَته أي حلقه . والعرب تتخيّل الغمّ والحزن مقرّه الكبد ، والغضب مقرّه الصّدر وأعضاء التنفّس . قال أبو الطيب يمدح سيف الدّولة حِين سفره عن أنطاكية :

لأَكْبِتَ حَاسداً وأرِي عَدُواً *** كأنَّهُمَا ودَاعُكَ والرّحيلُ

وقد استقرى أحوال الهزيمة فإنّ فريقاً قتلوا فقطع بهم طرف من الكافرين ، وفريقاً كبتُوا وانقلبوا خائبين ، وفريقاً مَنَّ الله عليهم بالإسلام ، فأسلموا ، وفريقاً عُذّبوا بالموت على الكفر بعد ذلك ، أو عذبوا في الدنيا بالذلّ ، والصغار ، والأسر ، والمَنّ عليهم يوم الفتح ، بعد أخذ بلدهم و « أو » بين هذه الأفعال للتقسيم .

وهذا القطع والكبت قد مضيا يوم بدر قبل نزول هذه الآية بنحو سنتين ، فالتَّعبير عنهما بصيغة المضارع لقصد استحضار الحالة العجيبة في ذلك النصر المبين العزيز النظير .