في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (9)

وفي معرض النقل والحمل والركوب والسير لبلوغ غايات محسوسة في عالم الأرض ، يدخل السياق غايات معنوية وسيرا معنويا وطرقا معنوية . فثمة الطريق إلى الله . وهو طريق قاصد مستقيم لا يلتوي ولا يتجاوز الغاية . وثمة طرق أخرى لا توصل ولا تهدي . فاما الطريق إلى الله فقد كتب على نفسه كشفها وبيانها : بآياته في الكون وبرسله إلى الناس :

( وعلى الله قصد السبيل . ومنها جائر . ولو شاء لهداكم أجمعين ) . .

والسبيل القاصد هو الطريق المستقيم الذي لا يلتوي كأنه يقصد قصدا إلى غايته فلا يحيد عنها . والسبيل الجائر هو السبيل المنحرف المجاوز للغاية لا يوصل إليها ، أو لا يقف عندها !

( ولو شاء لهداكم أجمعين ) . . ولكنه شاء أن يخلق الإنسان مستعدا للهدى والضلال ، وأن يدع لإرادته اختيار طريق الهدى أو طريق الضلال . فكان منهم من يسلك السبيل القاصد ، ومنهم من يسلك السبيل الجائر . وكلاهما لا يخرج على مشيئة الله ، التي قضت بأن تدع للإنسان حرية الاختيار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (9)

وقوله { وعلى الله قصد السبيل } الآية ، هذا أيضاً من أجل نعم الله تعالى ، أي على الله تقويم طريق الهدى وتبيينه ، وذلك بنصب الأدلة وبعث الرسل ، وإلى هذا ذهب المتأولون ، ويحتمل أن يكون المعنى : إن من سلك السبيل القاصد فعلى الله رحمته ونعيمه وطريقه ، وإلى ذلك مصيره ، فيكون هذا مثل قوله تعالى :{ هذا صراط علي مستقيم } [ الحجر : 41 ] وضد قول النبي صلى الله عليه وسلم «والشر ليس إليك » أي لا يفضي إلى رحمتك ، وطريق قاصد معناه بين مستقيم ، ومنه قول الآخر :

فصد عن نهج الطريق القاصد{[7257]} . . . والألف واللام في { السبيل } للعهد ، وهي سبيل الشرع ، وليست للجنس ، ولو كانت للجنس لم يكن فيها جائر ، وقوله { ومنها جائر } يريد طريق اليهود والنصارى وغيرهم كعبدة الأصنام ، والضمير في { منها } يعود على { السبيل } التي تضمنها معنى الآية ، كأنه قال : ومن السبيل جائر ، فأعاد عليها وإن كان لم يجر له ذكر لتضمن لفظة { السبيل } بالمعنى لها ، ويحتمل أن يعود الضمير في { منها } على سبيل الشرع المذكورة وتكون «من » للتبعيض ويكون المراد فرق الضلالة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، كأنه قال :«ومن بنيات الطرف في هذه السبيل ومن شعبها جائر » ، وقوله { ولو شاء لهداكم أجمعين } معناه لخلق الهداية في قلوب جميعكم ولم يضل أحد ، وقال الزجاج معناه لو شاء لعرض عليكم آية تضطركم إلى الإيمان والاهتداء .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول سوء لأهل البدع الذين يرون أن الله لا يخلق أفعال العباد لم يحصله الزجاج ، ووقع فيه رحمه الله عن غير قصد{[7258]} ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «ومنكم جائر » ، وقرأ علي بن أبي طالب «فعنكم جائر » ، و { السبيل } تذكر وتؤنث .


[7257]:النهج: الطريق المستقيم، ونهج الطريق: وضحه، وطريق نهج: واضح بين، والطريق القاصد: السهل المستقيم، و {على الله قصد السبيل}:أي: على الله تبيين الطريق المستقيم، والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة. (اللسان).
[7258]:قال أبو حيان تعقيبا على هذا: "ولم يعرف ابن عطية أن الزجاج معتزلي، فلذلك تأول عليه أنه لم يحصله، وأنه وقع فيه من غير قصد".