في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَيۡنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغٖ لِّلۡأٓكِلِينَ} (20)

17

ويخصص من الأنواع الأخرى شجرة الزيتون :

وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين . .

وهي من أكثر الشجر فائدة بزيتها وطعامها وخشبها . وأقرب منابتها من بلاد العرب طور سيناء . عند الوادي المقدس المذكور في القرآن . لهذا ذكر هذا المنبت على وجه خاص . وهي تنبت هناك من الماء الذي أسكن في الأرض وعليه تعيش .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَيۡنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغٖ لِّلۡأٓكِلِينَ} (20)

وقوله { وشجرة } عطف على قوله { جنات } ويريد بها الزيتونة وهي كثيرة في { طور سيناء } من أرض الشام وهو الجبل الذي كلم فيه موسى عليه السلام قاله ابن عباس وغيره ، و «الطور » الجبل في كلام العرب وقيل هو مما عرب من كلام العجم واختلف في { سيناء } فقال قتادة معناه الحسن ويلزم على هذا التأويل أَن ينون «الطور » وقال مجاهد معناه مبارك ، وقال معمر عن فرقة ذو شجر ع ويلزمهم أن ينون «الطور » ، وقال الجمهور هو اسم الجبل كما تقول جبل أحد ، و { سيناء } ، اسم مضاف إليه الجبل ، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير «سِيناء » بكسر السين ، وقرأ الباقون وعمر بن الخطاب «سَيناء » بفتح السين ، وكلهم بالمد ، فعلى فتح السين لا ينصرف الاسم بوجه ، وعلى كسر السين فالهمزة كهمزة حرباء ولم يصرف في هذه الآية لأَنه جعل اسم بقعة أو أَرض ، وقرأ الجمهور ، «تنبُت » بفتح التاء وضم الباء فالتقدير تنبت ومعها الدهن كما تقول خرج زيد بسلاحه ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «تُنبت » بضم التاء واختلف في التقدير على هذه القراءة ، فقالت فرقة الباء زائدة وهذا كقوله

{ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }{[8470]} [ البقرة : 195 ] وهذا المثال عندي معترض وإن كان أبو علي ذكره وكقول الشاعر : [ الرجز ]

نحن بني جعدة أرباب الفلج . . . نضرب بالبيض ونرجو بالفرج{[8471]}

ونحو هذا . وقالت فرقة : التقدير «تنبت » جناها ومعه الدهن فالمفعول محذوف قاله أبو علي الفارسي أيضاً وقد قيل نبت وأنبت بمعنى فيكون الفعل كما مضى في قراءة الجمهور والأصمعي ينكر البيت ويتهم قصيدة زهير التي فيها أَنبت البقل{[8472]} ، وقرأ الزهري والحسن والأعرج «تُنبَتُ » برفع التاء ونصب الباء قال أَبو الفتح هي باء الحال أي تنبت ومعها دهنها{[8473]} وفي قراءة ابن مسعود تخرج بالدهن وهي أيضاً باء الحال وقرأ زر بن حبيش «تُنبِت » بضم التاء وكسر الباء «الدهن » بحذف الباء ونصبه وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب «بالدهان » بالألف والمراد في هذه الآية تعديد نعمة الزيت على الإنسان وهي من أركان النعم التي لا غنى بالصحة عنها ويدخل في معنى الزيتونة شجر الزيت كله على اختلافه بحسب الأقطار وقرأت فرقة ، «وصبغ » ، وقرأت فرقة «وأصباغ » بالجمع ، وقرأ عامر بن عبد قيس ، «ومتاعاً للآكلين »{[8474]} .


[8470]:من الآية (195) من سورة (البقرة).
[8471]:هذا الرجز للنابغة الجعدي، وهو في الديوان، والخزانة، ومعجم البكري، ومغني اللبيب، والطبري، والقرطبي. والفلج: الماء الجاري، وهو في هذا الرجز موضع لبني جعدة، وهو في أعلى بلاد قيس. والبيض ـ بكسر الباء ـ: السيوف، أي: نقاتل بالسيوف، و (نحن) مبتدأ وخبره (بنو جعدة)، وروي البيت (بني جعدة) بالنصب على الاختصاص، فيكون خبر المبتدأ هو (أرباب)، والشاهد في البيت هو زيادة الباء في (بالفرج)، قال ابن عصفور في (الضرائر): زيادة الباء هنا ضرورة. ولكن ابن السيد قال في (شرح أدب الكاتب): إنما الرجاء بالباء لأنه بمعنى الطمع، والطمع يتعدى بالباء، قال الشاعر ـ وهو البعيث ـ: طمعت بليلى أن تجود وإنما تقطع أعناق الرجال المطامع
[8472]:هذه آخر جملة في بيت قاله زهير بن أبي سلمى من قصيدة له يمدح فيها سنان بن أبي حارثة المري، يقول في مطلعها: (صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو)، والبيت بتمامه مع بيت قبله: إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت ونال كرام المال في الحجرة الأكل رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا بها حتى إذا أنبت البقل والبيت في الديوان، وفي اللسان، والطبري، والقرطبي. والسنة الشهباء هي البيضاء من شدة الجدب لشدة ما فيها من ثلج وعدم النبات، وأجحفت: أضرت ضررا بالغا وأهلكت الأموال، والحجرة: السنة الشديدة التي تحجر الناس في البيوت، والمراد بقوله (نال كرام المال الأكل) أنهم لشدة الحاجة أكلوا أكرم ما عندهم وهو الإبل، والقطين: السكان المقيمون. والبيت يذكر شاهدا على أن نبت وأنبت بمعنى واحد، قال الفراء: هما لغتان، والأصمعي يتهم القصيدة.
[8473]:فهي كقولك: خرج بثيابه، أي: وثيابه عليه، كأنه قيل: خرج لابسا ثيابه. بهذا عبر أبو الفتح في المحتسب.
[8474]:قال أبو حيان الأندلسي في البحر: "كأنه يريد تفسير الصبغ".