في الدرسين الماضيين من السورة عالج السياق أغلظ ما في الكيان البشري . ليرققه ويطهره ويرتفع به إلى آفاق النور . عالج عرامة اللحم والدم ، وشهوة العين والفرج ، ورغبة التجريح والتشهير ، ودفعة الغضب والغيظ . وعالج الفاحشة أن تشيع في النفس وأن تشيع في الحياة ، وأن تشيع في القول . عالجها بتشديد حد الزنا وحد القذف . وعالجها بعرض نموذج شنيع فظيع من رمي المحصنات الغافلات المؤمنات . وعالجها بالوسائل الواقية : بالاستئذان على البيوت وغض البصر وإخفاء الزينة ، والنهي عن مثيرات الفتنة ، وموقظات الشهوة . ثم بالإحصان ، ومنع البغاء ، وتحرير الرقيق . . كل أولئك ليأخذ الطريق على دفعات اللحم والدم ، ويهيئ للنفوس وسائل العفة والاستعلاء والشفافية والإشراق .
وفي أعقاب حديث الإفك عالج ما تخلف عنه من غضب وغيظ ، ومن اضطراب في المقاييس ، وقلق في النفوس . فإذا نفس محمد - رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] - مطمئنة هادئة . وإذا نفس عائشة - رضي الله عنها - قريرة راضية . وإذا نفس أبي بكر - رضي الله عنه - سمحة صافية . وإذا نفس صفوان بن المعطل - رضي الله عنه - قانعة بشهادة الله وتبرئته . وإذا نفوس المسلمين آيبة تائبة . وقد تكشف لها ما كانت تخبط فيه من التيه . فثابت إلى ربها شاكرة فضله ورحمته وهدايته . .
بهذا التعليم . وهذا التهذيب . وهذا التوجيه . عالج الكيان البشري ، حتى أشرق بالنور ؛ وتطلع إلى الأفق الوضيء ؛ واستشرق النور الكبير في آفاق السماوات والأرض ، وهو على استعداد لتلقي الفيض الشامل الغامر في عالم كله إشراق ، وكله نور :
( الله نور السماوات والأرض ) . .
وما يكاد النص العجيب يتجلى حتى يفيض النور الهادئ الوضيء ، فيغمر الكون كله ، ويفيض على المشاعر والجوارح ، وينسكب في الحنايا والجوانح ؛ وحتى يسبح الكون كله في فيض النور الباهر ؛ وحتى تعانقهوترشفه العيون والبصائر ؛ وحتى تنزاح الحجب ، وتشف القلوب ، وترف الأرواح . ويسبح كل شيء في الفيض الغامر ، ويتطهر كل شيء في بحر النور ، ويتجرد كل شيء من كثافته وثقله ، فإذا هو انطلاق ورفرفة ، ولقاء ومعرفة ، وامتزاج وألفة ، وفرح وحبور . وإذا الكون كله بما فيه ومن فيه نور طليق من القيود والحدود ، تتصل فيه السماوات بالأرض ، والأحياء بالجماد ، والبعيد بالقريب ؛ وتلتقي فيه الشعاب والدروب ، والطوايا والظواهر ، والحواس والقلوب . .
( الله نور السماوات والأرض ) . .
النور الذي منه قوامها ومنه نظامها . . فهو الذي يهبها جوهر وجودها ، ويودعها ناموسها . . ولقد استطاع البشر أخيرا أن يدركوا بعلمهم طرفا من هذه الحقيقة الكبرى ، عندما استحال في أيديهم ما كان يسمى بالمادة - بعد تحطيم الذرة - إلى إشعاعات منطلقة لا قوام لها إلا النور ! ولا " مادة " لها إلا النور ! فذرة المادة مؤلفة من كهارب وإليكترونيات ، تنطلق - عند تحطيمها - في هيئة إشعاع قوامه هو النور ! فأما القلب البشري فكان يدرك الحقيقة الكبرى قبل العلم بقرون وقرون . كان يدركها كلما شف ورف ، وانطلق إلى آفاق النور . ولقد أدركها كاملة شاملة قلب محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ففاض بها وهو عائد من الطائف ، نافض كفيه من الناس ، عائذ بوجه ربه يقول : " أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة " . وفاض بها في رحلة الإسراء والمعراج . فلما سألته عائشة : هل رأيت ربك ? قال . " نور . أنى أراه " .
ولكن الكيان البشري لا يقوى طويلا على تلقي ذلك الفيض الغامر دائما ، ولا يستشرف طويلا ذلك الأفق البعيد . فبعد أن جلا النص هذا الأفق المترامي ، عاد يقارب مداه ، ويقربه إلى الإدراك البشري المحدود ، في مثل قريب محسوس :
مثل نوره كمشكاة فيها مصباح . المصباح في زجاجة . الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار . نور على نور . .
وهو مثل يقرب للإدراك المحدود صورة غير المحدود ؛ ويرسم النموذج المصغر الذي يتأمله الحس ، حين يقصر عن تملي الأصل . وهو مثل يقرب للإدراك طبيعة النور حين يعجز عن تتبع مداه وآفاقه المترامية وراء الإدراك البشري الحسير .
ومن عرض السماوات والأرض إلى المشكاة . وهي الكوة الصغيرة في الجدار غير النافذة ، يوضع فيها المصباح ، فتحصر نوره وتجمعه ، فيبدو قويا متألقا : ( كمشكاة فيها مصباح ) . . ( المصباح في زجاجة ) . . تقيه الريح ، وتصفي نوره ، فيتألق ويزداد . . ( الزجاجة كأنها كوكب دري ) . . فهي بذاتها شفافة رائقة سنية منيرة . . هنا يصل بين المثل والحقيقة . بين النموذج والأصل . حين يرتقي من الزجاجة الصغيرة إلى الكوكب الكبير ، كي لا ينحصر التأمل في النموذج الصغير ، الذي ما جعل إلا لتقريب الأصل الكبير . . وبعد هذه اللفتة يعود إلى النموذج . إلى المصباح :
( يوقد من شجرة مباركة زيتونة )ونور زيت الزيتون كان أصفى نور يعرفه المخاطبون . ولكن ليس لهذا وحده كان اختيار هذا المثل . إنما هو كذلك الظلال المقدسة التي تلقيها الشجرة المباركة . ظلال الوادي المقدس في الطور ، وهو أقرب منابت الزيتون لجزيرة العرب . وفي القرآن إشارة لها وظلال حولها : ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ) . وهي شجرة معمرة ، وكل ما فيها مما ينفع الناس . زيتها وخشبهاوورقها وثمرها . . ومرة أخرى يلتفت من النموذج الصغير ليذكر بالأصل الكبير . فهذه الشجرة ليست شجرة بعينها وليست متحيزة إلى مكان أو جهة . إنما هي مثل مجرد للتقريب : ( لا شرقية ولا غربية ) . . وزيتها ليس زيتا من هذا المشهود المحدود ، إنما هو زيت آخر عجيب : ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) . . فهو من الشفافية بذاته ، ومن الإشراق بذاته ، حتى ليكاد يضيء بغير احتراق ؛ ( ولو لم تمسسه نار ) . . ( نور على نور ) . . وبذلك نعود إلى النور العميق الطليق في نهاية المطاف !
إنه نور الله الذي أشرقت به الظلمات في السماوات والأرض . النور الذي لا ندرك كنهه ولا مداه . إنما هي محاولة لوصل القلوب به ، والتطلع إلى رؤياه : ( يهدي الله لنوره من يشاء ) . . ممن يفتحون قلوبهم للنور فتراه . فهو شائع في السماوات والأرض ، فائض في السماوات والأرض . دائم في السماوات والأرض . لا ينقطع ، ولا يحتبس ، ولا يخبو . فحيثما توجه إليه القلب رآه . وحيثما تطلع إليه الحائر هداه . وحيثما اتصل به وجد الله .
إنما المثل الذي ضربه الله لنوره وسيلة لتقريبه إلى المدارك ، وهو العليم بطاقة البشر :
«النور » في كلام العرب الأضواء المدركة بالبصر ويستعمل فيما صح من المعاني ولاح فيقال منه كلام له نور ومنه الكتاب المنير ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]
نسب كأن عليه من شمس الضحى . . . نوراً ومن فلق الصباح عمودا{[8716]}
والله تعالى ليس كمثله شيء فبين أنه ليس كالأضواء المدركة ولم يبق للآية معنى إلا أنه أراد { الله } ذو { نور السماوات والأرض } أي بقدرته أنارت أضواؤها واستقامت أمورها وقامت مصنوعاتها ، فالكلام على التقريب للذهن ، كما تقول :الملك نورالأمة أي به قوام أمورها وصلاح جملتها ، والأمر في الملك مجاز وهو في صفة الله تعالى حقيقة محضة ، إذ هو الذي أبدع الموجودات وخلق العقل نوراً هادياً لأن ظهور الوجود به حصل كما حصل بالضوء ظهور المبصرات تبارك الله لا رب سواه{[8717]} ، وقالت فرقة التقدير دين الله { نور السماوات والأرض } ، قال ابن عباس هادي أهل السماوات والأرض والأول أعم للمعاني وأوضح مع التأمل ، وقرأ عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وأبو عبد الرحمن السلمي الله «نَوّرَ » بفتح النون والواو المشددة وفتح الراء على أنه فعل{[8718]} ، وروي أن اليهود لما نزلت هذه الآية جسموا في تأوليها واعترضوا محمداً عليه السلام بأن قالوا كيف هو نور الأرض والسماء بيننا وبينه ، فنزلت حينئذ { مثل نوره كمشكاة } الآية أي ليس الأمر كما ظننتم وإنما هو نور بأنه قوام كل شيء وخالقه وموجده { مثل نوره } كذا وكذا ، واختلف المتأولون في الضمير في { نوره } على من يعود ، فقال كعب الأحبار وابن جبير هو عائد على محمد عليه السلام أي مثل نور محمد ، وقال أبي بن كعب وابن جبير والضحاك هو عائد على المؤمنين ، وفي قراءة أبي بن كعب «مثل نور المؤمنين » ، وروي أن في قراءته «نور المؤمن » ، وروي أن فيها «مثل نور من آمن به » ، وقال الحسن هو عائد على القرآن والإيمان ، قال مكي بن أبي طالب وعلى هذه الأقوال يوقف على قوله { والأرض } .
قال القاضي أبو محمد : وهذه أقوال فيها عود الضمير على من لم يجر له ذكر ، وفيها تقطع المعنى المراد بالآية ، وقالت فرقة الضمير في { نوره } عائد على { الله } ، ثم اختلفت هذه الفرقة في المراد ب «النور » الذي أضيف إلى الله تعالى إضافة خلق إلى خالق كما تقول سماء الله وناقة الله ، فقال بعضها هو محمد صلى الله عليه وسلم{[8719]} ، وقال بعضها هو المؤمن ، وقال بعضها هو الإيمان والقرآن{[8720]} ، وهذه الأقوال متجهة مطرد معها المعنى فكأن اليهود لما تأولوا { الله نور السماوات والأرض } بمعنى الضوء ، قيل لهم ليس كذلك وإنما هو نور فإنه قوام كل شيء وهاديه مثل نوره في محمد أو في القرآن ، والإيمان { كمشكاة } وهي الكوة غير النافذة فيها القنديل ونحوه .
وهذه الأقوال الثلاثة تطرد فيها مقابلة جزء من المثال لجزء من الممثل ، فعلى قول من قال الممثل به محمد عليه السلام ، وهو قول كعب الحبر ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو «المشكاة » أو صدره ، و { المصباح } هو النبوءة وما يتصل بها من عمله وهداه ، و { الزجاجة } قلبه و «الشجرة المباركة » هي الوحي والملائكة رسل إليه وسببه المتصل به ، والزيت هو الحجج والبراهين ، والآيات التي تضمنها الوحي ، وعلى قول من قال الممثل به المؤمن وهذا قول أبي بن كعب ، ف «المشكاة » صدره ، و { المصباح } الإيمان والعلم ، و { الزجاجة } قلبه و «الشجرة » القرآن ، وزيتها هو الحجج والحكمة التي تضمنها ، قال أبي فهو على أحسن الحال يمشي في الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات ، ومن قال إن الممثل به القرآن والإيمان فتقدير الكلام { مثل نوره } الذي هو الإيمان في صدر المؤمن في قلبه { كمشكاة } ، أي كهذه الجملة وهذا القول ليس في مقابلة التشبيه كالأولين ، لأن المشكاة ليست تقابل الإيمان ، وتحتمل الآية معنى آخر ليس فيه مقابلة جزء من المثال لجزء من الممثل بل وقع التشبيه فيه جملة بجملة ، [ وذلك أن يريد : مثل نور الله الذي هو هداه وإتقانه صنعة كل مخلوق وبراهينه الساطعة على الجملة ]{[8721]} كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس ، أي فمثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أية البشر ، و «المشكاة » الكوة في الحائط غير النافذة ، قاله ابن جبير وسعيد بن عياض وجمهور المفسرين ، وهي أجمع للضوء ، و { المصباح } فيها أكثر إنارة من غيرها ، وقال مجاهد «المشكاة » العمود الذي يكون { المصباح } على رأسه ، وقال أبو موسى «المشكاة » الحديدة أو الرصاصة التي يكون فيها الفتيل في جوف الزجاجة ، وقال مجاهد أيضاً «المشكاة » الحدائد التي يعلق بها القنديل ، والأول أصح هذه الأقوال ، وقوله { في زجاجة } لأنه جسم شفاف { المصباح } فيه أنور منه في غير الزجاج ، و { المصباح } الفتيل بناره وأمال الكسائي فيما روى عنه أبو عمرو الداني الألف من «مشكاة » فكسر الكاف التي قبلها ، وقرأ نصر بن عاصم «في زَجاجة » بفتح الزاي ، و «الزجاجة » كذلك وهي لغة{[8722]} ، وقوله : { كأنها كوكب دري } أي في الإنارة والضوء وذلك يحتمل معنين : إما أن يريد انها بالمصباح كذلك ، وإما أن يريد أنها في نفسها لصفائها وجودة جوهرها كذلك .
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا التأويل أبلغ في التعاون على النور ، قال الضحاك «الكوكب الدري » الزهرة ، وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم «دُريّ » بضم الدال وشد الياء .
ولهذه القراءة وجهان : إما أن ينسب الكوكب إلى الدر لبياضه وصفائه ، وإما أن يكون أصله دريء مهموز من الدرء وهو الدفع وخففت الهمزة ، وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم «دريء » بالهمزة وهو فعيل من الدرء بمعنى أنها تدفع بعضها بعضاً أو بمعنى أن بهاءها يدفع خفاءها ، وفعيل بناء لا يوجد في الأسماء إلا في قولهم مريق للعصفور{[8723]} وفي السرية إذا اشتقت من السرو{[8724]} ، ووجه هذه القراءة أبو علي ، وضعفها غيره ، وقرأ أبو عمرو والكسائي «دريء » على وزن فعيل بكسر الفاء من الدرء وهذه متوجهة ، وقرأ قتادة «دَريء » بفتح الدال والهمز قال أبو الفتح وهذا عزيز وإنما عزيز وإنما حفظ منه السكّينة بشد الكاف ، وقرأ سعيد بن المسيب وأبو رجاء ونصر بن عاصم «دري » بفتح الدال دون همزة ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وطلحة والأعمش والحسن وقتادة وابن وثاب وعيسى «توقد » بضم التاء أي الزجاجة ، وقرأ أبو عمرو وأهل الكوفة والحسن وابن محيصن «تَوَقّدُ » بفتح التاء والواو وشد القاف وضم الدال أي الزجاجة ، وقرأ أبو عمرو أيضاً وابن كثير «تَوقَد » بفتح التاء والدال أي المصباح ، وقرأ عاصم فيما روى عنه إسماعيل{[8725]} «يوقد » بالياء المرفوعة على معنى يوقد المصباح ، قال أبو الفتح وقرأ السلمي والحسن وابن محيصن وسلام وقتادة «يَوَقَّدُ » بفتح الياء والواو والقاف والمشددة ورفع الدال أصله يتوقد ، وقوله { من شجرة } أي من زيت شجرة ، و «المباركة » المنمأة ، و «الزيتون » من أعظم الثمار نماء واطراد أفنان وغضارة ولا سيما بالشام والرمان كذلك والعيان يقضي بذلك ، وقول أبي طالب يرثي مسافر بن أبي عمرو بن امية «ابن شمس » : [ الخفيف ]
ليت شعري مسافر بن أبي عمرو . . . «وليتٌ » يقولها المحزون
بورك الميّت الغريب كما بو . . . رك الرمّانُ والزيتون{[8726]}
وقوله تعالى : { لا شرقية ولا غربية } قرأ الجمهور فيهما بالخفض عطفاً على { زيتونة } ، وقرأ الضحاك «لا شرقيةٌ ولا غربيةٌ » بالرفع{[8727]} ، واختلف المتأولون في معناه ، فقال ابن عباس فيما حكى عنه الطبري معناه أنها شجرة في دوحة قد أحاطت بها فهي غير منكشفة من جهة الشرق ولا من جهة الغرب .
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول لا يصح عندي عن ابن عباس لأن الوجود يقتضي أَن الشجرة التي تكون بهذه الصفة ينفسد جناها ، وقال الحسن ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا وإنما هو مثل ضربه الله لنوره ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية ، وقال ابن زيد أراد أَنها من شجر الشام لأن شجر الشام هي أفضل الشجر وهي «الأرض المباركة » ، وقال ابن عباس وعكرمة وقتادة وغيرهم المعنى في قوله : { لا شرقية ولا غربية } أنها في منكشف من الأرض تصيبها الشمس طول النهار تستدير عليها أي فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية ولا للغرب فتسمى غربية ، وقوله : { يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار } مبالغة في صفة صفائه وحسنه وجودته ، وقرأ الجمهور «تمسسه » بالتاء من فوق ، وقرأ ابن عباس والحسن بالياء من تحت ، وقوله : { نور على نور } أي هذه كلها معاون تكامل بها هذا النور الممثل به وفي هذا الموضع تم المثال ، ثم ذكر تعالى هداه لنوره من شاء وأسعد من عباده وذكر تفضله في ضرب الأمثال للعباد ليقع لهم العبرة والنظر المؤدي إلى الإيمان .