ثم قال تعالى : { الله نور السماوات والأرض } .
قال أبو أحمد{[48526]} : قد كثر الاختلاف في معنى هذه الآية ونحن نذكر ما بلغنا فيها .
قيل{[48527]} المعنى : الله{[48528]} ذو نور السماوات والأرض مثل { وسئل القرية }{[48529]} .
وقيل : معناه : الله{[48530]} هادي أهل{[48531]} السماوات والأرض . قاله ابن{[48532]} عباس ثم استأنف فقال : { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح }[ 35 ] الآية ، أي مثل هداه في قلب المؤمن{[48533]} كالكوة التي هي غير نافذة . { فيها مصباح } وذلك المصباح في زجاجة ، الزجاجة صافية اللون كالكوكب الدري ، يوقد ذلك المصباح من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضيء من غير نار لصفاه{[48534]} ، الكوة التي هي{[48535]} غير نافذة أجمع للضوء فيها إذا كان فيها المصباح ، والمصباح إذا كان في{[48536]} زجاجة كان أظهر لضوئه ، فإن{[48537]} كانت الزجاجة صافية اللون كان ذلك أظهر للضياء ، وإذا كان الزيت الذي{[48538]} فيها صافيا ، كان أظهر وأكثر للضوء ، فذلك كله{[48539]} مبالغة للضياء والنور ، فكذلك{[48540]} الهدى في قلب المؤمن . ومعنى هذا القول مروي{[48541]} : عن ابن عباس فهو مثل ضربه{[48542]} الله لنور الهدى والإيمان في قلب المؤمن{[48543]} .
وعن ابن عباس أيضا ، وعن مجاهد : { الله نور السماوات والأرض }[ 35 ] ، أي مدبرهما : شمسهما وقمرهما ونجومهما{[48544]} .
وقال{[48545]} أبي بن كعب{[48546]} : بدأ الله بنوره وذكره{[48547]} ، ثم ذكر نور المؤمن في قوله{[48548]} تعالى : { مثل نوره } .
وقيل المعنى{[48549]} : مثل ما أنار الله من الحق بهذا التنزيل كمشكاة على هذه الصفة ، فالهاء في نوره تعود على الله جل ذكره أي مثل هداه في قلب المؤمن وهو القرآن . والتقدير : الله هادي أهل السماوات بآياته{[48550]} البينات ، مثل هداه وآياته التي هدى بها خلقه في قلوب المؤمنين ، كنور هذا المصباح الموصوف بهذه الصفات . وهو قول{[48551]} ابن عباس الذي تقدم{[48552]} ذكره .
وقال{[48553]} : كعب الأحبار : النور : هنا لمحمد ، والهاء لمحمد عليه{[48554]} السلام والمعنى : مثل نور محمد صلى الله عليه وسلم{[48555]} كمشكاة ، و{[48556]} كذلك روي{[48557]} عن ابن جبير : فيكون المعنى : الله هادي أهل السماوات والأرض ثم استأنف فقال : مثل نور محمد إذا كان مستودعا في الأصلاب كمشكاة هذه صفتها ، والمصباح عني به قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، شبه بالمصباح في ضيائه ونوره لما فيه من الإيمان والحكمة .
{ المصباح/في زجاجة }[ 35 ] ، يعني قلبه في صدره كأنها{[48558]} كوكب دري أي صدره في صفاه ونوره لما فيه من الإيمان والحكمة ، { كأنها كوكب دري } يعني به الزهرة { يوقد{[48559]} من شجرة مباركة }[ 35 ] ، أي استنار نور محمد من نور{[48560]} إبراهيم ، فإبراهيم هو الشجرة المباركة{[48561]} ومحمد عليه السلام{[48562]} على ملته ودينه{[48563]} ، فمنه استنار ثم مثل الله . إبراهيم فقال : { زيتونة لا شرقية ولا غربية }[ 35 ] ، أي إن{[48564]} إبراهيم لم يكن يصلي{[48565]} إلى المشرق ولا إلى المغرب ، فهو في الضياء مثل هذه الزيتونة التي لا تصيبها{[48566]} الشمس إذا غربت ولا إذا طلعت فزيتها على هذا أطيب ، وأصفى وأضوى .
وهذا التفسير قد روي{[48567]} من طرق وغيره أشهر وأكثر ، وقد ذكرناه ونذكره{[48568]} أيضا فيما بعد عن شاء الله .
وقال{[48569]} زيد بن أسلم والحسن : الهاء{[48570]} لله والتقدير : الله نور السماوات والأرض مثل نوره ، ونوره القرآن أي{[48571]} مثل هذا القرآن{[48572]} في القلب كمشكاة هذه صفتها .
وعن{[48573]} ابن عباس : إن النور هنا الطاعة سمى طاعته{[48574]} نورا .
وقيل{[48575]} : الهاء تعود على المؤمن{[48576]} أي مثل نور المؤمن{[48577]} والذي{[48578]} في قلبه من الإيمان ، والقرآن كمشكاة ، قاله : أبي بن كعب{[48579]} . وقال{[48580]} ابن جبير والضحاك : { مثل نوره }[ 35 ] ، مثل نور المؤمن كمشكاة والمشكاة{[48581]} كل كوة لا منفذ لها .
وقيل{[48582]} : هو مثل ضربه الله لقلب محمد عليه{[48583]} السلام .
قال{[48584]} كعب الأحبار{[48585]} : المصباح قلب محمد في زجاجة الزجاجة صدره كأنها{[48586]} كوكب دري ، شبه{[48587]} صدر النبي عليه{[48588]} السلام بالكوكب{[48589]} الدري ، ثم رجع في المصباح إلى قلبه فقال : { يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية }[ 35 ] ، أي لم يمسها شمس المشرق ، ولا شمس المغرب { يكاد زيتها يضيء }[ 35 ] ، أي يكاد محمد صلى الله عليه وسلم{[48590]} يتميز للناس ، ولو لم يتكلم ، أنه نبي ، كما يكاد ذلك{[48591]} الزيت يضيء ولو لم يتمسه{[48592]} نار{[48593]} }نور على نور } [ 35 ] ، .
وقال{[48594]} ابن عباس : المشكاة كوة البيت .
وقال{[48595]} آخرون : عني بالمشكاة صدر المؤمن ، و{[48596]} المصباح القرآن والإيمان والزجاجة قلبه . وهذا المثل{[48597]} ضربه الله للمؤمنين . هذا قول أبي بن كعب .
قال أبيّ : جعل{[48598]} القرآن والإيمان في صدر المؤمن كمشكاة ، فالمشكاة صدره . } فيها مصباح } المصباح القرآن والإيمان اللذان جعلا في{[48599]} صدره . } المصباح في زجاجة }[ 35 ] ، قال : فالزجاجة{[48600]} قلبه فيه القرآن والإيمان } الزجاجة كأنها كوكب دري } قال : فمثل ما استنار فيه من القرآن والإيمان كأنه كوكب دري أي مضيء{[48601]} .
}يوقد{[48602]} من شجرة مباركة }[ 35 ] ، فالشجرة المباركة أصله وهو الإخلاص لله{[48603]} وحده وعبادته لا شريك له } لا شرقية ولا غربية }[ 35 ] ، أي مثله كمثل شجرة التفت بها شجرة{[48604]} ، فهي ناعمة لا تصيبها الشمس على أي حال كانت لا إذا طلعت ولا إذا غربت ، وكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يصيبه شيء من الفتن ، وقد ابتلي بها{[48605]} فثبته الله فيها فهو{[48606]} بين{[48607]} أربع خلال : إن أعطي شكر{[48608]} ، وإن ابتلي صبر{[48609]} ، وإن حكم عدل ، وإن قال صدق ، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي في قبور{[48610]} الأموات .
ثم قال تعالى{[48611]} : } نور على نور }[ 35 ] ، فهو يتقلب{[48612]} في خمسة من النور فكلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى النور يوم القيامة : إلى الجنة .
وقال{[48613]} ابن عباس : } مثل نوره }[ 35 ] مثل هدى الله في قلب المؤمن .
وقال قتادة : مثل نور الله في قلب المؤمن{[48614]} ، فالهاء في نوره تعود على الله والنور معنى الهدى .
و{[48615]} قيل : تعود على المؤمن .
و{[48616]} قيل{[48617]} : على محمد عليه{[48618]} السلام . وقد مضى هذا .
قال{[48619]} القتبي{[48620]} : هو مثل ضربه الله تعالى{[48621]} لقلب المؤمن ، وما أودعه من الإيمان والقرآن من نوره ، لكنه بدأ بنفسه فقال : } الله نور السماوات والأرض }[ 35 ] ، أي بنوره يهتدي من في السماوات والأرض . ثم قال } مثل نوره }[ 35 ] ، يعني مثل نور المؤمن .
وقيل : معناه : مثل نور الله في قلب المؤمن ونور الله الإيمان به .
وكان أبيّ يقرأ{[48622]} ( مثل نور المؤمن ) وقد مضى أكثر هذا ، فالمعنى على قول ابن{[48623]}عباس وغيره : الله{[48624]} هادي أهل السموات وأهل{[48625]} الأرض إلى أمور دينهم ومصالحهم/ والكلام فيه توسع ومجاز لأنه قد علم أن{[48626]} أنه لا يكون نورا ولا ضياء ولا من{[48627]} جنس النور ولا{[48628]} الضياء ، لأن النور والضياء مخلوقان لله جل ذكره ، ومعنى { مثل نوره } أي صفة هدى الله للمؤمنين في قلوبهم . و{[48629]} هذا يدل على أن معنى { الله نور السماوات والأرض }[ 35 ] ، أي هاديهن{[48630]} وليس الله هو النور لأنه قد شبه النور المذكور بالمشكاة الموصوفة ، والله لا يشبهه شيء{[48631]} ، ولا يُشبّه بشيء ، فنوره إنما هو هداه{[48632]} ودلالة خلقه إلى مصالحهم في دينهم ودنياهم ، فإنما{[48633]} شبه هداه لخلقه{[48634]} بما يعقلون{[48635]} من المشكاة فيها المصباح الذي هو في زجاجة{[48636]} ، تلك{[48637]} الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد بزيت من شجرة صفتها كذا ، وذلك كله مبالغة في صفة هدى الله عباده .
وقوله : { لا شرقية ولا غربية }[ 35 ] .
قال{[48638]} قتادة : " لا يفيء عليها ظل الشرق ولا ظل الغرب ضاحية ، وذلك أصفى للزيت كأنه يقول : إن الشمس لا تفارقها " .
وقال{[48639]} الحسن : ليست من شجر{[48640]} الدنيا .
وعن{[48641]} ابن عباس ومجاهد : أنه مثل للمؤمن ، غير أن المصباح وما فيه مثل فؤاد المؤمن ، والمشكاة مثل الجوف .
وقال{[48642]} الحسن : معناه مثل القرآن في قلب المؤمن كمشكاة هذه صفتها{[48643]} .
وقال{[48644]} ابن زيد : { مثل نوره }[ 35 ] ، نور القرآن الذي أنزله الله على رسوله ، فهذا مثل القرآن{[48645]} يستضاء به في نوره ، ويعملون{[48646]} به ، ويأخذون به ، وهو لا ينقص . فهذا مثل ضربه الله لنوره .
وقال{[48647]} مجاهد : المشكاة القنديل .
وقيل{[48648]} : هو الحديد الذي يعلق فيه القنديل : قاله أيضا مجاهد . واختار{[48649]} الطبري أن يكون هذا المثل{[48650]} ، مثل{[48651]} ضربه الله للقرآن في قلب أهل الإيمان به ، فقال : الذي أنار به لعباده سبيل الرشاد-الذي أنزله إليهم فآمنوا به{[48652]} ، في قلوب المؤمنين- مثل مشكاة وهي عمود القنديل الذي فيه الفتيلة وهو نظير الكوة التي تكون في الحيطان التي{[48653]} لا منفذ لها ، وإنما جعل ذلك العمود مشكاة لأنه غير نافذ وهو أجوف{[48654]} مفتوح إلى الأعلى ، وهو كالكوة في الحائط التي لا تنفذ .
ثم قال : { فيها مصباح }[ 35 ] ، وهو السراج ، والمصباح ، مثل{[48655]} لما في قلب المؤمن من القرآن والآيات البينات .
ثم قال : { المصباح في زجاجة }[ 35 ] ، يعني إن{[48656]} السراج الذي في المشكاة ، في القنديل وهو الزجاجة وذلك مثل القرآن{[48657]} ، يقول : القرآن الذي في قلب المؤمن الذي أنار الله به قلبه في صدره ، ثم مثل الصدر في خلوصه من الكفر بالله والشك فيه ، واستنارته ، بنور{[48658]} القرآن بالكوكب{[48659]} الدري ، فقال : { الزجاجة } وذلك صدر المؤمن الذي فيه قلبه { كأنها كوكب دري{[48660]} } و{[48661]} معنى قراءة من قرأ{[48662]} { دري } بالتشديد وضم الدال أنه نسبه إلى الدر ومعناه : أن فضل هذا الكوكب في النور على سائر الكواكب كفضل الدر على سائر الحَبّ ، ومن قرأ{[48663]} درئ بكسر الدال والمد والهمز جعله من إندرأ{[48664]} الحريق إذا اندفع .
و{[48665]} حكى الأخفش{[48666]} سعيد : درأ الكوكب بضوئه إذا امتد ضوءه وعلا .
وقيل{[48667]} : هو فعيل من درأت لأن معناه يدفع ويرجم به الشياطين{[48668]} .
وأنكر{[48669]} أبو عبيدة هذه القراءة إن كانت من درأت{[48670]} إذا دفعت وضعفها لأن الكواكب كلها تندفع فلا فضل لأحدهما على الآخر فلا فائدة في وصفه له بالاندفاع لأنها كلها تندفع .
فأما قراءة من قرأ بضم{[48671]} الدال{[48672]} والمد والهمز ، فقد أنكرها جماعة ، إذ ليس في الكلام . فُعَيْل ، وقد جوزها أبو عبيدة{[48673]} وقال : هو فعول مثل سيوح{[48674]} ، وأصله درؤ{[48675]} وأبدلوا من الواو ياء كما قالوا : عتي . وأنكر هذا القول على أبي عبيدة لأنه لا يشبع عتي إن كان جمع عات ، فالبدل{[48676]} فيه لازم لأن الجمع باب تغيير والواو لا يكون طرفا في الأسماء وقبلها ضمة ، فاعتلاله لازم ، فإن كان عتيا مصدرا فيجب قلب الواو لأنها ظرف في فعول وليست الواو في دري / إذا جعل أصله دروي ظرفا فلا يشتبهان ، ووجه هذه القراءة ، عند بعض النحويين أنه فعيل كَمُريق ، على أن مُريقا أعجمي ، فلا يجب أن يحتج به . والكوكب الذي شبه بالزجاجة ، هو الزهرة قاله الضحاك{[48677]} .
ومن قرأ{[48678]} { يوقد } على تفعل جعله فعلا ماضيا خبرا عن المصباح .
ومن{[48679]} قرأ بالياء ، على يفعل جعله فعلا{[48680]} مستقبلا لم يسم فاعله راجعا إلى المصباح .
ومن قرأ بالتاء على تفعل جعله فعلا لم يسم فاعله مستقبلا أيضا راجعا على الزجاجة لأنها أقرب إليه ، فلما كان الاتقاد فيها جاز أن توصف هي به لعلم السامعين بالمعنى{[48681]} ، كما قالوا : ليل نائم ، وسر كاتم ، وقد نام ليلك ، وكقوله : { في يوم عاصف }{[48682]} فوصف اليوم بالمعصوف والعصوف للريح{[48683]} ، لكن لما كان الريح في اليوم جعل وصفا لليوم لعلم السامعين بالمعنى وهو كثير في كلام العرب . وأنشد الفراء{[48684]} :
" يومين غيمين ، ويوما شمسا " {[48685]}
فجعل الغيمين وصفا لليومين لأنهما في اليومين يكونان ، فكذلك وصف الزجاجة بأنها توقد لأن{[48686]} الإيقاد فيها يكون .
و{[48687]} معنى قوله : { يوقد من شجرة }[ 35 ] ، أي توقد من دهن شجرة .
وقوله : { لا شرقية ولا غربية }[ 35 ] .
قال{[48688]} ابن عباس : لا{[48689]} شرقية بغير غرب ولا غربية بغير شرق{[48690]} .
وقال{[48691]} الحسن : ليست{[48692]} هذه الشجرة في الأرض ، ولو كانت في الأرض لكانت شرقية أو غربية ، ولكنه تمثل بالنور .
وقال{[48693]} أبو مالك : لا يصيبها الشمس{[48694]} وقت الشرق ولا وقت الغرب ولكنها بين شجر في فجوة من ذلك فهي في ظل أبدا قد سترها ما حولها من الشجر .
وقيل{[48695]} إنها يصيبها الشمس عند الشروق وعند الغروب ، ولم تخلص للشروق فيقال لها شرقية ، ولا للغروب فيقال لها غربية ، ولكنها قد جمعتهما{[48696]} كما يقال : فلان لا أبيض ولا أسود إذا كان فيه بياض وسواد ، ويقال : هذا لا حلو ولا حامض أي{[48697]} لم يخلص له أحد الطعمين ، فهذا قوله مختار وهو معنى قول{[48698]} ابن عباس المتقدم .
وقال{[48699]} عكرمة : لا تخلو من الشمس وقت الغروب والشروق ، وذلك أصفى لذهنها وهذا موافق لمذهب ابن عباس أيضا .
وعن مجاهد{[48700]} أنه قال : لا يُكنها جبل ولا وادي .
وقال قتادة : هي شجرة بارزة للشمس .
وقال الضحاك : لا تصيبها{[48701]} الشمس ، وعنه مثل قول قتادة .
وعن{[48702]} مجاهد أيضا أنه قال : هي شجرة تكون فوق جبل تطلع عليها الشمس وتغرب عليها .
وقال القتبي : المعنى أنها : ليست بارزة للشمس ، لا يصيبها الظل فيقال لها شرقية ، وليست في الظل لا تصيبها{[48703]} الشمس فيقال لها غربية .
وقال{[48704]} الطبري : معناه : ليست شرقية تطلع عليها الشمس بالغداة{[48705]} ، من الشرق دون العشي ، ولا غربية تطلع عليها الشمس بالعشي دون الغداة ، ولكن الشمس تشرق عليها وتغرب ، فهي شرقية غربية ، وهذا أيضا{[48706]} قول{[48707]} ابن عباس بعينه وهو قول عكرمة .
وقوله : { يوقد من شجرة مباركة }[ 35 ] ، قال{[48708]} الطبري : معناه أن هذا القرآن من عند الله ، وأنه كلامه ، فجعل مثله ومثل{[48709]} كونه من عنده{[48710]} ، مثل المصباح الذي يوقد من الشجرة المباركة التي وصفها بعده{[48711]} .
وقوله : } يكاد زيتها يضيء } يعني أن حجج الله على خلقه تكاد من بيانها ووضوحها تضيء لمن فكر فيها ونظر .
وقوله : } ولو لم تمسسه نار }[ 35 ] ، أي ولو لم يزدها الله بيانا ووضوحا ، فأنزل القرآن إليهم منبها لهم على توحيده ، فكيف وقد نبههم و{[48712]}ذكرهم بآياته فزادهم حجة إلى حجة عندهم قبل ذلك . فذلك بيان من الله جل ذكره ونور على البيان .
وقوله : } نور على نور }[ 35 ] النور الأول النار ، والثاني الزيت الذي يكاد يضيء من صفاه قبل أن تمسه{[48713]} النار ، قاله مجاهد{[48714]} .
قال{[48715]} الطبري : هو مثل للقرآن{[48716]} ، أي هذا القرآن نور من عند الله أنزله على خلقه يستضيئون به .
وقوله : } على نور } يعني / الحجج والبيان الذي نصبه{[48717]} الله لهم مما يدل على وحدانيته قبل مجيء القرآن .
قال{[48718]} ابن زيد{[48719]} : } نور على نور }[ 35 ] ، يضيء بعضه بعضا يعني القرآن .
قوله{[48720]} : } يهدي الله لنوره من يشاء }[ 35 ] ، أي{[48721]} يوفق الله لاتباع نوره وهو القرآن من يشاء من عباده .
ثم قال : } ويضرب الله الأمثال للناس }[ 35 ] ، أي ويمثل الله الأمثال للناس ، يعني به ما مثل لهم من مثل القرآن في قلب المؤمن ، بالمصباح في المشكاة ، وسائر ما في الآية من الأمثال .
ثم قال : } والله بكل شيء عليم }[ 35 ] ، أي عليم بالأشياء كلها ، ومن{[48722]} قال : } مثل نوره } أي نور المؤمن جاز له أن يقف{[48723]} على } الله نور السماوات والأرض }[ 35 ] ، ومن قال المعنى : مثل نور الله لم يقف{[48724]} إلا على مصباح } المصباح في زجاجة }[ 35 ] ، تمام{[48725]} ، } دري }{[48726]} تمام } تمسسه }[ 35 ] ، تمام{[48727]} [ الناس ] ، قطع{[48728]} . و[ عليم ] ، تمام{[48729]} إن جعلت في " بيوت " متعلقا بيسبح . فإن جعلته على قول ابن زيد متعلقا بقوله : } فيها مصباح }[ 35 ] ، لم تقف{[48730]} إلى } عليم } وكذلك إن جعلته متعلقا } يوقد من شجرة مباركة } وهو قول الطبري{[48731]} . وكذلك إن جعلته حالا مما تقدم لم تقف{[48732]} على } عليم } وهو قول : أحمد بن يحيى .
وفي هذه الآية ، قول غريب منه ما يوافق ما تقدم ، ومنه ما يخالف . ذكره الدمياطي{[48733]} في تفسيره وهو أن قوله } مثل نوره }[ 35 ] أي مثل نور محمد عليه{[48734]} السلام إذ{[48735]} كان مستودعا في صلب عبد المطلب{[48736]} كمشكاة يعني كوة غير نافذة على لغة الحبش ، } فيها مصباح } يعني قلب النبي ، شبهه بالمصباح في ضيائه ونوره لما فيه من الحكمة والإيمان . {[48737]} } المصباح في زجاجة }[ 35 ] ، يعني قلبه في صدره{[48738]} } الزجاجة كأنها كوكب دري }[ 35 ] ، أي صدره في صفاه{[48739]} ونوره لما فيه من الإيمان والحكمة } كأنها كوكب دري } يعني الزهرة . } يوقد{[48740]} من شجرة مباركة } [ 35 ] ، أي استنار نور محمد من نور إبراهيم ، فإبراهيم هو الشجرة المباركة ، ومحمد عليه{[48741]} السلام على ملته ودينه ، فمنه استنار ، ثم مثل إبراهيم فقال : } زيتونة لا شرقية ولا غربية }[ 35 ] ، أي إن إبراهيم لم يكن يصلي إلى المشرق ولا إلى المغرب فهو في الضياء مثل هذه الزيتونة التي لا تصيبها{[48742]} الشمس إذا طلعت ، ولا إذا غربت ، فزيتها أضوى{[48743]} وأطيب{[48744]} .
وقيل{[48745]} معنى } لا شرقية ولا غربية }[ 35 ] ، أي إن{[48746]} إبراهيم لا يهودي ولا نصراني بل هو حنيف مسلم . وهذا التفسير مخالف في أكثره{[48747]} لجميع ما قدمناه{[48748]} . والله أعلم بحقيقة ذلك ، فهذا ما وصل إلينا في تفسير هذه الآية ، والله أعلم بصحة معناها وبما أراد فيها{[48749]} .
قوله{[48750]} تعالى ذكره : } في بيوت أذن الله أن ترفع }[ 36 ] ، إلى قوله : } سريع الحساب }[ 39 ] ،
أي الله نور السماوات والأرض مثل نوره أي نور القرآن } كمشكاة فيها مصباح }
}في بيوت أذن الله أن ترفع } فيكون قوله : } في بيوت } ظرف للمصباح{[48751]} ويتعلق به فيكون على قول ابن زيد{[48752]} : يسبح له فيها : من صفة البيوت .
وقيل{[48753]} : المعنى : } يوقد{[48754]} من شجرة مباركة } } في بيوت أذن الله أن ترفع } فيكون متعلقا } يوقد }{[48755]} ويسبح أيضا وما بعده صفة للبيوت .