{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } .
قال ابن عباس : الله هادي أهل السموات والأرض لا هادي فيهما غيره ، فهم بنوره الى الحقّ يهتدون ، وبهداه من حيرة الضلالة ينجون وليس يهتدي ملك مقرّب ولا نبىّ مرسل إلاّ بهدى منه .
الضحّاك والقرظي : منوّر السموات والأرض .
مجاهد : مدبر الأُمور في السموات والأرض .
أُبي بن كعب وأبو العالية والحسن : مزيّن السموات بالشمس والقمر والنجوم ، ومزيّن الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين .
وقال بعضهم : يعني الأنوار كلّها منه كما يقال : فلان رحمة وسخطة وهو لا يكون في نفسه رحمة ولا سخطة وإنما يكون منه الرحمة والسخطة .
وقال بعض أهل المعاني : أصل النور هو التبرئة والتصفية ، يقال : امرأة نوار نساء نوار إذا كنّ متعرّيات من الريبة والفحشاء ، قال الشاعر :
نوارُ في صواحبها نوارُ *** كما فاجاك سربٌ أو صوارُ
فمعنى النور هو المنزّه من كل عيب .
وقال بعض العلماء : النور على أربعة أوجه : نور متلألئ ، ونور متولّد ، ونور من جهة صفاء اللون ، ونور من جهة المدح ، فالنور المتلألئ مثل قرص الشمس القمر والكواكب وشعلة السراج ، والمتولد هو الذي يتولد من شعاع الشمس القمر والسراج فيقع على الأرض فيستنير به ، والذي هو من صفاء اللون مثل نور اللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر ، وكلّ شيء له نور صاف ، والذي هو من جهة المدح قول الناس : فلان نور البلد وشمس العصر ، قال الشاعر :
فإنّك شمس والملوك كواكب *** إذا ما بدت لم يبد منهنّ كوكب
وقال آخر :قمر القبائل خالد بن يزيد
إذا سار عبد الله من مرو ليلة *** فقد سار منها نورها وجمالها
ويجوز أن يقال : الله سبحانه نور من جهة المدح ؛ لأنه واجد الأشياء ونور جميع الأشياء منه دون سائر الأوجه ؛ لأنّ النور المحسوس الذي هو ضدّ الظلمة لا يخلو من شعاع وارتفاع وسطوع ولموع وهذه كلّها منفيّة عن الله سبحانه لأنها من أمارات الحدث .
قالوا : ولا يجوز أن يقال : لله يا نور إلاّ أن يضمّ إليه شيء كما لا يجوز أن يقال : يا بديع إلاّ أن يضمّ إليه شيء كما قال الله سبحانه
{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [ البقرة : 117 ] { نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } .
وقرأ علي بن أبي طالب : الله نور السموات والأرض على الفعل .
{ مَثَلُ نُورِهِ } اختلفوا في هذه الكناية فقال بعضهم : هي عائدة الى المؤمن أي مثل نوره في قلب المؤمن حيث جعل الإيمان والقرآن في صدره .
روى الربيع عن أبي العالية عن أُبي بن كعب في هذه الآية قال : بدا بنور نفسه فذكره ثمَّ ذكر نور المؤمن فقال { مَثَلُ نُورِهِ } وهكذا كان يقرأ أُبي : مثل نور من آمن به ، وقال ابن عباس والحسن وزيد بن أسلم وابنه : أراد بالنور القرآن ، وقال كعب وسعيد بن جبير : هو محمد صلى الله عليه وسلم ومثله روى مقاتل عن الضحاك ، أضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلاً ، وروى عطيّة عن ابن عباس قال : يعني بالنور الطاعة ، يسمّي طاعته نوراً ثمَّ ضرب لها مثلا .
{ كَمِشْكَاةٍ } قال أهل المعاني : هذا من المقلوب أي كمصباح في مشكوة وهي الكوّة التي لا منفذ لها ، وأصلها الوعاء يجعل فيها الشيء ، والمشكاة : وعاء من أدم يُبرَّد فيه الماء ، وهي على وزن مفعلة كالمقراة والمصفاة . قال الشاعر :
كأنّ عينيه مشكاتان في حجر *** قيضا اقتياضاً بأطراف المناقير
وقيل : المشكوة : عمود القنديل الذي فيه الفتيلة .
{ فِيهَا مِصْبَاحٌ } أي سراج وأصله من الضوء ، ومنه الصبح ، ورجل صبيح الوجه مصبّح إذا كان وضيئاً ، وفرّق قوم بين المصباح والسراج فقال الخليل : المصباح : نفس السراج وقيل : السراج أعظم من المصباح لأنّ الله سبحانه سمّى الشمس سراجاً فقال
{ سِرَاجاً وَهَّاجاً } [ النبأ : 13 ] و
{ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً } [ الفرقان : 61 ]وقال في غيرها من الكواكب
{ وَزَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } [ فصلت : 12 ] .
{ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } قرأ نصر بن عاصم : زجاجة بفتح الزاي ، الباقون بضمّه .
قال الأخفش : فيها ثلاث لغات : ضمّ الزاي وفتحه وكسره .
{ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } أي ضخم مضيء ، ودراريّ النجوم عظامها ، واختلف القرّاء فيه فقرأ أبو عمرو والكسائي مكسورة الدال مهموزة الياء ممدودة وهو من قول العرب : درأ النجم إذا طلع وارتفع ، ومن مكان الى آخر رجع ، وإذا انقضّ في اثر الشيطان فأسرع ، وأصله من الرفع ، ووزنه من الفعل فعيل ، وقرأ حمزة وأبو بكر مضمومة الدال مهموزة ممدودة .
قال أكثر النحاة : هي لحن لأنه ليس في الكلام فُعّيل بضم الفاء وكسر العين .
قال أبو عبيد : وأنا ارى لها وجهاً وذلك أنه درّو على وزن فُعّول من درأت مثل سبّوح وقدوّس ثمَّ استثقلوا كثرة الضمّات فيه فردوا بعضها الى الكسرة كما قالوا عتيّاً وهو فعول من عتوت .
وقال بعضهم : هو مشتق على هذه القراءة من الدراة وهي البياض ويقال : منه ملح دَراني ، وقرأ سعيد بن المسيّب وأبو رجاء العطاردي بفتح الدال وبالهمز .
قال أبو حاتم : هو خطأ لأنّه ليس في الكلام فعيل وإن صحّ منهما فهما حجّة ، وقرأ الباقون بضم الدال وتشديد الياء من غير همز ، نسبوه الى الدُرّ في صفائه وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، ثمَّ قال أبو عبيد : وإنما اخترنا هذه القراءة لعلل ثلاث :
إحداها : ما جاء في التفسير أنه منسوب الى الدُرّ لبياضه .
والثانية : للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ أهل الجنة ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الدرّي في أُفق السماء وإنّ أبا بكر وعمر منهم وأنعما .
والثالثة : إجماع أهل الحرمين عليها .
{ يُوقَدُ } اختلف القرّاء فيه أيضاً فقرأ شيبة ونافع وأيوب وابن عامر وعاصم برواية حفص بياء مضمومة يعنون المصباح ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف برواية أبي بكر بتاء مضمومة أرادوا الزجاجة ، وقرأ بن محيص بتاء مفتوحة وتشديد القاف و رفع الدال على معنى تتوقد الزجاجة ، وقرأ الآخرون : بفتح التاء والقاف والدال على المضيء يعنون المصباح .
{ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } .
قال عكرمة وجماعة : يعني لا يسترها من الشمس جبل ولا واد ، فإذا طلعت الشمس أصابتها وإذا غربت أصابتها ، فهي صاحبة للشمس طول النهار وليست شرقية وحدها حتى لا تصيبها الشمس إذا غربت ، ولا هي غربية وحدها فلا تصيبها الشمس بالغداة إذا طلعت ، بل تأخذ حظّها من الأمرين ، وإذا كان كذلك كان أجود وأضوأ لزينتها .
وقال السدىّ وجماعة : يعني ليست في مقنوة لا تصيبها الشمس ولا هي بارزة للشمس لا يصيبها الظل ، فهي لم يضرّها الشمس ولا الظلّ .
وقال بعضهم : هي معتدلة ليست من شرق فيلحقها الحرّ ، ولا في غرب فيضرّ بها البرد وهي رواية ابن ظبيان عن ابن عباس .
وقال ابن زيد : هي شاميّة لأنّ الشام لا شرقي ولا غربي ، تقول : هي شرقيّة وغربيّة وهذا كقولك : فلان لا مسافر ولا مقيم ، وليس هذا بأبيض ولا أسود إذا كان له من كلا الأمرين قسط ونصيب ، قال الشاعر :
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم *** ولم تكثر القتلى بها حين سُلّت
وقال الحسن : ليس هذه الشجرة من شجر الدنيا ، ولو كانت في الأرض لكانت شرقية أو غربية ، وإنّما هو مثل ضربه الله سبحانه لنوره ، وقد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا لأنها بدل من الشجرة فقال { زَيْتُونَةٍ } وإنما خصّ الزيتونة من بين سائر الاشجار أنّ دهنها أضوأ وأصفر .
وقيل : لأنّه يورق غصنها من أوله الى آخره ولا يحتاج دهنه إلى عصّار يستخرجه .
وقيل : لأنّها أول شجرة نبتت من الدنيا ، وقيل : بعد الطوفان ، وقيل : لأنّ منبتها منزل الأنبياء والأولياء والأرض المقدّسة ، وقيل : لأنّهُ بارك فيها سبعون نبيّاً منهم إبراهيم ( عليه السلام ) قال : لذلك قال { مُّبَارَكَةٍ } .
أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ في داري قال : حدّثنا عبد الله ابن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا أحمد بن عيسى بن السكين البلدي قال : حدّثني هاشم ابن القاسم الحراني قال : حدّثنا يعلى بن الأشدق عن عمّه عبد الله بن حراد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهَّم بارك في الزيت والزيتون ، اللهّم بارك في الزيت والزيتون " .
وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال : حدّثنا أبو شعيب الحراني قال : حدّثني أحمد بن عبد الملك قال : حدّثنا زهير قال : حدَّثنا عبد الله بن عيسى عن عطاء عن أبي أُسيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلوا الزيت وادّهنوا به فإنّه من شجرة مباركة " .
وأخبرني الحسين قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال : حدّثنا محمد بن علي بن الحسن بن سفيق قال : سمعت أبي يقول : حدّثنا أبو حمزة عن جابر عن أبي الطفيل عن عبد الله بن ثابت الأنصاري قال : دعا بَنِيه ودعا بزيت فقال : ادهنوا رؤوسكم ، فقالوا : لا ندهن رؤوسنا بالزيت قال : فأخذ العصا وجعل يضربهم ويقول : أترغبون عن دهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وحدّثنا عبد الله بن يوسف بن ماموله قال : أخبرنا محمد بن عمر بن الخطاب الدينوري قال : حدّثنا أحمد بن عبد الله بن سنان قال : حدّثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عليكم بهذه الشجرة المباركة زيت الزيتون فتداووا به فإنّه مصحّة من الباسور " .
ثمَّ قال سبحانه { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ } من صفائه وضيائه . { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } قيل : أن تصيبه نار ، واختلف العلماء في معنى هذا المثل والممّثل وفي المعنيّ بالمشكاة والزجاجة والمصباح ، فقال قوم : هذا مثل ضربه الله سبحانه لنبّيه محمد صلى الله عليه وسلم وقال شمر بن عطية : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال له : حدّثني عن قوله سبحانه وتعالى { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ } الآية فقال كعب : هذا مثل ضربه الله سبحانه لمحمد صلى الله عليه وسلم فالمشكاة صدره ، والزجاجة قلبه ، والمصباح فيه النبوّة ، توقد من شجرة مباركة وهي شجرة النبوّة ، يكاد نور محمد وأمره يتبّين للناس ولو لم يتكلّم أنّه نبىّ كما يكاد ذلك الزيت يضيء ولو لم تمسَسه نار .
أخبرنا أبو بكر الجوزقي قال : حدّثنا أبو عثمان البصري قال : حدّثنا أحمد بن سلمة قال : حدّثنا الحسين بن منصور قال : حدّثنا أبان بن راشد الحرزي قال : حدّثنا الوراع بن نافع عن سالم عن ابن عمر في هذه الآية قال : المشكاة جوف محمد ، والزجاجة قلبه ، والمصباح النور الذي جعل الله فيه ، لا شرقية ولا غربية لا يهودي ولا نصراني ، توقد من شجرة مباركة إبراهيم ، نور على نور النور الذي جعل الله في قلب إبراهيم كما جعل في قلب محمد صلى الله عليه وسلم
وقال محمد بن كعب القرظي : المشكوة إبراهيم ، والزجاجة إسماعيل ، المصباح محمد صلى الله عليه وسلم سمّاه الله مصباحاً كما سمّاه سراجاً فقال عزَّ من قائل
{ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } [ الأحزاب : 46 ] { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ } وهي إبراهيم ، سمّاه مباركاً لأنَّ أكثر الأنبياء كانوا من صلبه ، لا شرقية ولا غربية يعني إبراهيم لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً ، وإنّما قال ذلك لأنّ اليهود تصلّي قِبل المغرب والنصارى قِبل المشرق { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } يعني تكاد محاسن محمد تظهر للناس قبل أن أُوحي إليه { نُّورٌ عَلَى نُورٍ } أي نبيّ من نسل نبيّ .
وروى مقاتل عن الضحّاك قال : شبّه عبد المطّلب بالمشكاة وعبد الله بالزجاجة والنبي صلى الله عليه وسلم بالمصباح ، كان في صلبهما فورث النبوّة من إبراهيم ( عليه السلام ) { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } بل هي مكيّة لأنّ مكة وسط الدنيا .
ووصف بعض البلغاء هذه الشجرة فقال : هي شجرة التُقى والرضوان وشجرة الهدى والإيمان شجرة أصلها نبوّة ، وفرعها مروّة ، وأغصانها تنزيل ، وورقها تأويل ، وخدمها جبرئيل وميكائيل .
وقال آخرون : هذا مَثَل ضربه الله سبحانه للمؤمن .
روى الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي بن كعب قال : هذا مثل المؤمن ، فالمشكاة نفسه ، والزجاجة صدره ، والمصباح ما جعل الله سبحانه من الإيمان والقرآن في قلبه ، توقد من شجرة مباركة وهي الإخلاص لله وحده لا شريك له ، فمثله مثل شجرة التفَّ بها الشجر فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس على أيّ حال كانت لا إذا طلعت ولا إذا غربت ، وكذلك المؤمن قد أُجير من أن يصيبه شيء من الفتن وقد ابتلي بها ، فيثبته الله تعالى فيها ، فهو بين أربع خلال : إن أُعطي شكر ، وإن ابتلي صبر ، وإن حكم عدل ، وإن قال صدق ، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات .
ثمَّ قال : { نُّورٌ عَلَى نُورٍ } فهو ينقلب في خمسة من النور : فكلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره الى النور يوم القيامة الى الجنة .
وقال ابن عباس : هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسّه النار ، فإن مسته النار ازداد ضوءاً على ضوئه كما يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدىً على هدىً ونوراً على نور كقول إبراهيم ( عليه السلام ) قبل أن تجيئه المعرفة { قَالَ هَذَا رَبِّي } حين رأى الكوكب من غير أن أخبره أحد أنّ له ربّاً ، فلمّا أخبره الله أنّه ربّه ازداد هدىً على هدىً ثم قال { نُّورٌ عَلَى نُورٍ } يعني إيمان المؤمن وعمله .
وقال الحسن وابن زيد : هذا مَثَل للقرآن في قلب المؤمن ، فكما أنّ هذا المصباح يُستضاء به وهو كما هو لا ينقص فكذلك القرآن يُهتدى به و يؤخذ به ويعمل به ، فالمصباح هو القرآن ، والزجاجة قلب المؤمن ، والمشكاة لسانه وفمه ، والشجرة المباركة شجرة الوحي .
{ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } يقول : تكاد حجّة القرآن تتّضح وإن لم تُقرأ ، وقيل : تكاد حجج الله على خلقه تضيء لمن فكّر فيها وتدبّرها ولو لم ينزل القرآن .
{ نُّورٌ عَلَى نُورٍ } يعني أنّ القرآن نور من الله يخلقه مع ما قد أقام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن فازدادوا بذلك نوراً على نور .
ثمَّ أخبر أنّ هذا النور المذكور عزيز فقال عزَّ من قائل { يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ } تقريباً للشيء الذي أراده إلى الأفهام وتسهيلا لسبل الإدراك على الأنام { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ } .