تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةٖ فِيهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِي زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبٞ دُرِّيّٞ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٖ مُّبَٰرَكَةٖ زَيۡتُونَةٖ لَّا شَرۡقِيَّةٖ وَلَا غَرۡبِيَّةٖ يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (35)

الآية 35 : وقوله تعالى : ]الله نور السموات والأرض[ قال بعضهم : الله هادي السموات والأرض . ثم انقطع الكلام ، فأخذ في نعت محمد صلى الله عليه وسلم وما ضرب له من الأمثال ، فقال : ]مثل نوره[ يقول : نور محمد إذ كان في صلب أبيه ]كمشكاة[ أي كوة بلغة الحبش غير نافذة ]فيها مصباح[ أي سراج ]المصباح[ يقول ، والله أعلم : ذلك السراج المضيء ، ضوؤه ]في زجاجة الزجاجة[ نعتها الصافية التامة الصفاء . والمشكاة صلب أبيه عبد الله . والزجاجة وصفاؤها محمد رسول الله وطهره من الأدناس والمعاصي . والمصباح نوره وصفاؤه قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما فيه من الإيمان والحكمة ]كأنها كوكب دري[ أي محمد صلى الله عليه وسلم ذكره مع أسماء الأنبياء والرسل في اللوح المحفوظ عند الله في الفضيلة على تلك الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم ، كفضل الكوكب الدري أي المضيء ، وهو الزهرة ، على سائر الكواكب .

وقوله تعالى : ]يوقد من شجرة مباركة[ يقول ، والله أعلم : استنار نور محمد من نور إبراهيم ، لأن محمدا على دين إبراهيم وعلى سنته ومنهاجه ، فمثل إبراهيم مثل شجرة المباركة ، وأصل محمد من نسل إبراهيم ، صلوات الله عليهم .

وقوله تعالى ]زيتونة لا شرقية ولا غربية[ ( أراد بالزيتونة ) {[13996]} المحاسن وطاعة إبراهيم لربه ، فنفعه الله بحسن طاعته يوم القيامة وفي غيره من المواطن كما نفع بالزيتونة{[13997]} أهلها في الدنيا ؛ فهي فاكهة وطعام ، وهي إدام ، وهي{[13998]} الصباغ والدهن والدباغة .

( وقوله تعالى ){[13999]} : ]زيتونة لا شرقية ولا غربية[ يقول : إبراهيم ، صلوات الله على نبينا ، وعليه ، لم يكن نصرانيا لقول النصارى : هو نصراني : يصلي إلى قبلة النصارى من قبل المشرق ، ولا يهوديا لقول اليهود : إنه كان على ديننا ، يصلي قبل المغرب لبيت المقدس{[14000]} .

يقول الله تعالى : لم يكن كما قال هؤلاء ]ولكن كان حنيفا مسلما[ ( آل عمران : 67 ) مصليا إلى الكعبة ، وهي قبلته ، وإليها حج .

وقوله تعالى : ]يكاد زيتها يضيء ولو لم يمسسه نار[ يقول : والله أعلم ، لو أن إبراهيم لم يكن نبيا ( لما أصاب ){[14001]} بحسن طاعة الله الفضل مع الأنبياء والرسل في الدنيا والدرجات العلا في الآخرة . وقوله تعالى : ]نور على نور[ لأن محمدا صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الدين والكتاب ، أصل نوره من قبل إبراهيم لأنه على دينه وسنته وكتابه ومنهاجه .

ثم قوله{[14002]} : ]يهدي الله لنوره من يشاء[ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو النور ، وهو القرآن ( يهدي به ){[14003]} ]من يشاء[ /369- أمن سبق له في علمه السعادة ، ويضل{[14004]} عنه ]من يشاء[ ممن سبق له في علمه الشقاء .

ثم قوله{[14005]} : ]ويضرب الله الأمثال للناس[ يعني : ويصف الله الأمثال للناس ليؤمنوا بالله ، ويوحدوه ، ويعرفوا ربوبيته{[14006]} من صنعه ، ويصدقوا بإبراهيم ومحمد ، عليهما السلام أنهما رسولا الرب وهو تأويل مقاتل .

وقال أهل الكلام : قوله : ]الله نور السموات والأرض[ أي أنار الله لأهل السموات والأرض ]مثل نوره[ الذي به أنار ما ذكر مثل المشكاة التي ذكر إلى آخره .

وجائز أن يكون قوله : ]الله نور السموات والأرض[ أي بالله نور أهل السموات والأرض .

ألا ترى أنه قال : ]مثل نوره[ كذا ، ولم يقل مثله ؟ ولو كان النور هو الله ، على ما قاله المشبهة{[14007]} ، وفهموه ، لقال : الله نور السموات والأرض ، مثله كذا ، ولم يقل : مثل نوره فدل قوله : ]مثل نوره[ كذا ( أنه ){[14008]} لم يرد بالنور نفسه ، ولكن ما ذكرنا أنه به نور أهل السموات والأرض .

ألا ترى أنه قال في أخره : ]يهدي الله لنوره من يشاء[ أنه لم يرد بالنور ما فهموا ]ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور[ ( النور : 40 ) ؟

دل أنه ليس على ما ( فهمه المشبهة ){[14009]} أنه نور كسائر الأنوار التي ( عاينوها ، وشاهدوها ){[14010]} .

على هذا يخرج تأويل ابن عباس : قوله{[14011]} تعالى : ]الله نور السموات والأرض[ الله ( هادي{[14012]} أهل السموات والأرض ، وقوله تعالى : ]مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري[ جائز أن يكون قوله : ]مثل نوره[ أي مثل نور المؤمن الذي في قلبه مثل مشكاة فيها مصباح ، لأن المشكاة هي الكُوَّة التي لا منفذ لها ، تدخل فيها الأنوار ؛ تكون مظلمة ، فإذا جعل فيها المصباح أضاء ذلك كله ، وأناره ، حتى لا يبقى فيها ناحية إلا وقد أصابها الضياء والنور . فعلى ذلك القلب ، وهو مظلم ؛ إذ ليس له منفذ ، يدخل فيه النور من الخارج ، فإذا آمن ، أنار الله قلبه بإيمانه حتى ظهر ذلك النور وأثره في جميع نواحيه وجوارحه . وهو ما قال : ]أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه[ ( الزمر : 22 ) .

أخبر أن من ]شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه[ فهذا يدل أن قوله ]مثل نوره[ إنما هو مثل نور المؤمن .

وعلى ذلك روي في حرف أبي بن كعب أنه قرأ : مثل نور المؤمن كمشكاة ، وفي حرف ابن مسعود : مثل نوره في قلب المؤمن ، وقال الحسن : ]مثل نوره[ قال : مثل القرآن في قلب المؤمن ]كمشكاة[ كوة ]فيها مصباح( .

و( يحتمل ){[14013]} أن يكون قوله : ]الله نور السموات والأرض[ أي به تنجلي الظلمات ، وتنكشف الحجب والسواتر ؛ إذ النور إنما سمي نورا لما به تنجلي المظالم ، وتنكشف السواتر والحجب ، لا لأنه{[14014]} نور .

ألا ترى أنه سمى القرآن نورا ، والرسول نورا ، لما بهما{[14015]} تنجلي الشبهات والظلمات ، وبهما{[14016]} ترتفع السواتر والحجب ، وإن كانا في نفسيهما{[14017]} ليسا بنور سماهما{[14018]} نورا لما ذكرنا من [ انجلاء الشبهات ]{[14019]} بهما وارتفاع السواتر .

فعلى ذلك جائز أن يسمي الله نورا ( كل ما ){[14020]} به يكون انجلاء{[14021]} الظلمات والشبه وانكشاف السواتر وارتفاع الحجب لا لأنه{[14022]} نور .

وقوله تعالى : ]مثل نوره[ قال بعضهم : مثل نور المؤمن على ما ذكرنا في ما تقدم . وقال بعضهم : ]مثل نوره[ في صدر المؤمن . وقال بعضهم : مثل نور محمد على ما ذكر مقاتل وغيره . وقال بعضهم : مثل نور القرآن .

وقوله تعالى : ]كمشكاة[ قال ( بعضهم : ){[14023]} الكوة التي لا منفذ لها للنور على ما ذكرنا . وقال بعضهم : موضع الفتيلة من القنديل . وقال بعضهم : الحدائد التي يعلق بها القنديل .

وقوله تعالى : ]لا شرقية ولا غربية[ قال بعضهم : هي شجرة مصحرة ؛ تطلع عليها الشمس إذا طلعت ، وتغرب عنها إذا غربت ، وزيتها{[14024]} أجود الزيت .

وقال بعضهم : هي شجرة في كن ، لا تطلع عليها الشمس إذا طلعت ، ولا تغرب عنها{[14025]} إذا غربت .

وقال بعضهم : ليست شرقية ، لا غرب لها ، ولا غربية ، لا شرق لها ، ولكنها شرقية غربية ؛ فكيف ما كان فإنما ذكر الزيت لصفائه وخلوصه ، فيجب أن يسأل أهله ، فيقال : أي الزيت أجود وأصفى ؟ الذي تصيبه الشمس ، أم{[14026]} الذي لا تصيبه ، أم{[14027]} الذي تصيبه في وقت ، ولا تصيبه في وقت .

وقال بعضهم : ]الله نور السموات والأرض[ هو الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض ( يضيء هداة قلب ){[14028]} المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ( فإذا مسته النار ){[14029]} ازداد ضوءا على ضوء . كذلك يكون قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم ( فإذا جاءه العلم ){[14030]} ازداد هدى على هدى ونورا على نور .

وعن أبي بن كعب أنه{[14031]} قال في قوله : ]مثل نوره[ يقول مثل نور المؤمن ، وكذلك يقرؤها : مثل نور المؤمن على ما ذكرنا من قبل ؛ قال : فهو عبد ، قد جعل القرآن والإيمان في صدره .

قال : ]كمشكاة[ قال : المشكاة صدره ]فيها مصباح[ قال : المصباح القرآن والإيمان الذي جعل في صدره . قال : ]المصباح في زجاجة[ فالزجاجة قلبه .

قال ]الزجاجة كأنها كوكب دري[ يقول : كوكب مضيء ]يوقد من شجرة مباركة[ قال : الشجرة المباركة : ( أصل المبارك : الإخلاص ){[14032]} لله وحده لا يشرك به .

قال : ]لا شرقية ولا غربية[ قال : فمثله كمثل شجرة ، التف بها الشجر ، فهي خضراء ناعمة ، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت : لا إذا طلعت ، ولا إذا غربت . وكذلك هذا المؤمن ، قد أجير من أن يصله شيء من الفتن ، وقد ابتلي بها ، فثبته الله فيها ؛ فهو بين أربع خلال : إن ابتلي صبر ، وإن أعطي شكر ، وإن قال صدق : وإن حكم عدل ، فهو في سائر الناس كالرجل الحي ، يمشي في قبور الأموات .

قال : ]نور على نور[ قال : فهو يتقلب في خمسة من الأنوار{[14033]} : كلامه نور ، وعمله{[14034]} نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة .

قال : ثم ضرب مثل الكافر ، فقال : ]والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة[ الآية النور : 39 ) ( يجيء يوم القيامة ، وهو يحسب ){[14035]} أن له عند الله خيرا ، فلا تجده ، فيدخله الله إلى النار .

وقال : ( وضرب مثلا آخر في آية أخرى ){[14036]} فقال : ]أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض[ ( النور : 40 ) فهو يتقلب في ظلمات .

وقال بعضهم في قوله تعالى : ]الله نور السموات والأرض[ أي بنوره يهتدي من في السموات ومن في الأرض على ما ذكرنا ]مثل نوره[ في قلب المؤمن ]كمشكاة[ هي الكوة غير النافذة على ما ذكرنا ]فيها مصباح[ أي سراج ]كأنها كوكب دري[ مضيء ، أي منسوب إلى الدر ، وهو قول القتبي .

وقال أبو عوسجة : ]كمشكاة[ الكوة التي تكون في الحائط ، ومشاك جماعة ، وكوى جماعة ، ]وكوكب دري[ ( شديد الضوء ، ودري هو أيضا من الضوء مأخوذ ، هما جميعا من الضوء{[14037]} ، وكواكب درار{[14038]} مضيئة .

وعن أبي بن كعب ( في قوله تعالى : ]مثل نوره[ أنه ) {[14039]} قال : ضرب مثل محمد ]كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري[ {[14040]} مثل لسانه وصدره وقلبه ]يكاد زيتها يضيء[ قال : يكاد محمد يبين للناس ، وإن لم ينطق ( أنه نبي كما يكاد ذلك الزيت يضيء ]ولو لم تمسسه نار ) . {[14041]}

وعن الضحاك بن مزاحم ( في قوله : ]كأنها كوكب دري[ أنه ){[14042]} قال : خلقت الكواكب من نار ، ويقال لها : درار ، فمن ثمة قال ]كوكب دري( .

وقد ذكرنا قولهم في المشكاة ؛ قال بعضهم : الكوة التي لا منفذ لها . وقال بعضهم : الفتيلة . وقال بعضهم : الفتيلة التي في جوف القنديل نفسه وقال /369- ب/ بعضهم : هي الحدائد التي يعلق بها القنديل ، وأما الزجاجة فهي القنديل .

ثم إن كان قوله : ]مثل نوره[ أي نور المؤمن فليس ذلك وصف كل مؤمن ونعته ، ولكن وصف المؤمن الذي تجتمع فيه جميع شرائط الإيمان وجميع الأخلاق الحسنة والآداب لأنه وصفه بطهارة نفسه وجسده وقلبه وجميع أعماله وأفعاله لأنه قال : ]كمشكاة[ وهي قلبه ]فيها مصباح[ وهو صدره الذي فيه{[14043]} قلبه ]المصباح في زجاجة[ وهو الإيمان الذي في صدره .

ثم نعت الزجاج ، فقال : ]الزجاجة كأنها كوكب دري[ أي مضيء . وقال بعضهم : من الدر فوصف الكل بالضياء والنور وطهارة الداخل منه والخارج ونقاوته .

فهو المؤمن الذي تجتمع فيه شرائط والخصال المحمودة ، وأما كل المؤمن فلا يحتمل ، وهذا أشبه . ألا ترى أنه ذكر نعت الكافر من بعد ( هذا ){[14044]} وخبثه حين{[14045]} قال : ]والذين كفروا بأعمالهم كسراب بقيعة( ؟ ( النور : 39 ) .

وإن كان ( قوله : ]مثل نوره( ){[14046]} وصف محمد ففيه جميع ما ذكر ، ونعته .

وإن كان القرآن فهو كذلك أيضا .

وقوله تعالى : ]يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار[ الذي{[14047]} ذكرنا .

( وقوله تعالى ) : {[14048]} ]يهدي الله لنوره من يشاء[ يحتمل ]يهدي الله لنوره[ لنور محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل القرآن ، ويحتمل الإيمان والهدى .

وقال بعضهم : ]نور على نور[ فالزيت{[14049]} نور ، والمصباح ( نور ){[14050]} والقنديل نور ، وقال ( بعضهم ){[14051]} : المؤمن نور وعمله نور ، وكلامه نور .

ويحتمل قوله : ]يهدي الله لنوره من يشاء[ أي بنوره أضاءت السموات والأرض على ما ذكرنا : مثل نوره يكون{[14052]} في قلب المؤمن .

وهو في حرف ابن مسعود رضي الله عنه في قلب المؤمن : وهذا مثل ضربه للإيمان والقرآن والقلب حين يدخله الإيمان والقرآن ]كمشكاة[ يعني الكوة ]فيها مصباح [ يعني الإيمان والقرآن [ المصباح في زجاجة ] يعني القلب ، والمشكاة الصدر ؛ كما دخل هذا المصباح في الزجاجة ، فأضاءه ، فكذلك أضاء القلب .

ثم خرج من الزجاجة ، فأضاء{[14053]} المشكاة . فكذلك أضاء الصدر . ثم نزل الضوء من الكوة ، فأضاء البيت . فكذلك نزل النور من الصدر ، فأضاء الجوف كله ، فلم يدخله حرام ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]ويضرب الله الأمثال للناس[ يحتمل ضرب الأمثال وجهين : أحدهما : ضرب لأفعالهم وأقوالهم مثلا ليعرفوا مقاديرها في الحسن والجمال ، ليعلموا قدرها من الجزاء والثواب .

( والثاني ){[14054]} : ضرب الأمثال لهم للأنفس المكرمين المعظمين المستوجبين كل خير ، ليرغبوا في مثل ذلك ، فيستوجبوا ما استوجب أولئك .

وكان ضرب مثل الإيمان والقرآن ومحمد{[14055]} وما كان على اختلاف ما قالوا بالأنوار التي ضربها ، والله أعلم ، لما أنه قد أقام الحجج والبراهين على الإيمان والقرآن ومحمد حتى صاروا كالأنوار التي شبههم بها من الحسن والجمال والضياء والبهاء حتى يعرف حسن هذه الأنوار وبهاءها كل أحد .

فعلى ذلك المضروب بها المثل : صار في الحسن والبهاء بالحجج والبراهين كالأنوار التي لا يخفى حسنها وبهاؤها على أحد ، ولا ينكرها إلا معاند ومكابر .

وكان مثل الكفر والعناد من القبح والفساد والبطلان كالظلمات التي ذكر ]بعضها فوق بعض[ ( النور : 40 ) وكالسراب والزبد الذي ذكر حين{[14056]} قال : ]والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة[ ( النور : 39 ) وكالظلمات التي ذكر حين{[14057]} قال : ]أو كظلمات في بحر لجي[ وقال {[14058]} : ]ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور[ ( النور : 40 ) .

وقال ابن عباس رضي الله عنه ( في قوله ){[14059]} ]كأنها كوكب دري[ الأنجم{[14060]} الخمسة كلهن دري الزهرة وعطارد والمشتري والمريخ{[14061]} وزحل .

قال قتادة : الدري الضخم المنير . قال الكسائي : من همز دري ( فقد أراد حسنه ){[14062]} وظهوره وارتفاعه ؛ يقول : درأ النجم ، وهو ( داري ، وهو ){[14063]} فاش ظاهر في كلام العرب .

ومن رفع الدال ، ولم يهمز ، فهو ينسبه إلى الدر ، ومنهم من يرفع الدال ويهمز ، وأظنها لغة{[14064]} .

وقال أبو عمرو بن العلاء : الدري النجم الذي تراه يتلألأ ، كأنه يجيء ، ويذهب .

وقد روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ){[14065]} قال " إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة ، فتضيء الجنة بوجهه ، كأنه كوكب دري ، وإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لمنهم ، وأنعما " ( أبو داود : 3987 ) .

وأيضا روي دري بالرفع .

وفي خبر آخر عنه : " إن أول زمرة تدخل الجنة ، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على أضواء كوكب دري في السماء . لكل امرئ منهم زوجان اثنتان آدميتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم . والذي نفس محمد بيده ما فيها عيب{[14066]} " ( بنحوه مسلم : 2834 ) .

وقوله تعالى : ]يوقد من شجرة مباركة[ اختلف في قراءته{[14067]} : قرأ بعضهم : يوقد بالياء ورفعها ونصب القاف ؛ يقول : المصباح يوقد . ومن قرأ : توقد بالتاء ورفعها يعني الزجاجة التي توقد . وأهل مكة ( قرؤوا ){[14068]} : توقد بنصب وتشديد القاف ؛ يعنون{[14069]} المصباح توقد ، فلذلك انتصب . ومن قرأ : يوقد ؛ يعني الكوكب{[14070]} أو المصباح .

وقوله تعالى : ]لا شرقية ولا غربية[ قد ذكرنا بعض أقاويلهم في ما تقدم . لكنا نريد فيها شيئا قال قائل : هي شجرة ضاحية من حين تطلع الشمس إلى أن تغرب ، ليس لها ظل شرقي ولا غربي ، وزيتها أصفى الزيت وأعذبه وأطيبه .

وقال قائل : ليست بشرقية ، يجوزها المشرق دون المغرب ، وليست{[14071]} بغربية ، يجوزها المغرب دون المشرق .

ولكنها في صحراء أو في رأس جبل ، تصيبها الشمس النهار كله ، وهو مثل الأول .

وقال الكسائي : ليست بشرقية وحدها ، ولا بغربية وحدها ، ولكنها شرقية وغربية كما تقول : لا آتيك ، ولا آتي فلانا : له معنيان ؛ عن شئت كان معناه : لا تأتي واحدا منهما ، وإن شئت كان معناه : أنك لا تأتيهما معا . ومثله : والله لا آكل ، ولا يأكل زيد ، له{[14072]} معنيان :

وكذلك يقال : رجل ، لا يرجو الجنة ، ولا يخاف النار ، ويحب الفتنة ؛ إنه رجل صالح . أما الفتنة فالمال والولد : قال الله تعالى : ]واعملوا أنما أموالكم وأولادكم فتنة[ ( الأنفال : 28 والتغابن : 15 ) وهو يرجو الجنة ، ويخاف النار على ما فسرناه .

وقال بعضهم : ]لا شرقية[ يقول : لا تضحى للشمس من أول النهار إلى آخره ]ولا غربية[ تصيبها الشمس والظل . والعرب تقول : لا خير في شجرة ( في مضوأة{[14073]} ، ولا خير في شجرة ){[14074]} في مضحاة .

وقائل يقول : لا تطلع الشمس ، ولا تغرب ، وقائل يقول : هي شجرة بالشام ، ليست ( بالمشرق ، وليست ){[14075]} بالمغرب . والحسن يقول : والله لو كانت هذه الزيتونة في الأرض لكانت شرقية أو غربية . والله ما في الأرض . ولكن هذا مثل ، ضربه الله تعالى لنوره ، وهو هذا القرآن .

وأما قوله : ]نور على نور[ ( فقد ){[14076]} قال : بعضهم : إيمان المؤمن نور ( وعلمه نور ){[14077]} ، فهو نور على نور . وقال{[14078]} بعضهم : نور النار على نور الزيت ، فذلك نور على نور ، وهو بجودته ؛ يعني الزيت . وقال بعضهم : نور النار ونور الزيت حين اجتمعا أضاءا ، ولا يضيء واحد بغير صاحبه . كذلك نور القرآن ونور الإيمان إذا اجتمعا لا يكون أحدهما مضيئا إلا بصاحبه . وقال بعضهم : /370- أ/ ذكرنا من نور الإيمان والعمل .

ثم معنى تشبيه ما ذكر بالزيت لأن الزيت أصفى شيء وأطهر وأطيب شيء وأضوأ للسراج ، كل المنافع من الإدام والدواء وغيره ، والله أعلم .


[13996]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: والزيتونة.
[13997]:الباء ساقطة من الأصل وم.
[13998]:في الأصل وم: وهو.
[13999]:في الأصل وم يعني.
[14000]:إشارة إلى قوله تعالى:{تقولون إن إبراهيم وإسماعيل و إسحاق ويعقوب و الأسباط كانوا هودا أو نصارى} (البقرة:140).
[14001]:في الأصل وم: لأصاب.
[14002]:في الأصل وم: قال.
[14003]:ساقطة من الأصل وم.
[14004]:في الأصل وم: فضل.
[14005]:في الأصل وم: قال.
[14006]:في الأصل وم: نور نبيه.
[14007]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: قوم.
[14008]:ساقطة من الأصل وم.
[14009]:في الأصل وم: فهموا به.
[14010]:في الأصل وم: عاينوه وشاهدوه وهم المشبهة.
[14011]:في الأصل م: حيث قال.
[14012]:من م، ساقطة من الأصل.
[14013]:في الأصل وم: أو.
[14014]:في الأصل وم: أنه.
[14015]:في الأصل وم: به.
[14016]:في الأصل وم: وبه.
[14017]:في الأصل وم: أنفسهما.
[14018]:في الأصل وم :سمى.
[14019]:في الأصل وم: تجلي الأشياء.
[14020]:الأصل وم: لما.
[14021]:في الأصل وم :تجلي.
[14022]:في الأصل وم: أنه.
[14023]:ساقطة من الأصل وم.
[14024]:في الأصل وم: وهو.
[14025]:في الأصل وم: عليه.
[14026]:في الأصل وم: أو.
[14027]:في الأصل وم: أو
[14028]:. في الأصل وم: كما هداه في.
[14029]:من م، ساقطة من الأصل.
[14030]:ساقطة من الأصل وم.
[14031]:ساقطة من الأصل وم.
[14032]:في الأصل:أصله فالمبارك والإخلاص، في م: أصله فالمبارك الإخلاص.
[14033]:في الأصل وم: النور.
[14034]:في الأصل وم: وعلمه.
[14035]:من م، ساقطة من الأصل.
[14036]:في الأصل: في آية أخرى مثلا، في م: في آية أخرى له مثلا.
[14037]:في الأصل: الدر.
[14038]:في الأصل، مراري.
[14039]:في الأصل: {مثل نوره}.
[14040]:ساقطة من م.
[14041]:من الدر المنثور 6/196. ساقطة من الأصل وم.
[14042]:في الأصل وم: { كأنها كوكب دري}.
[14043]:في الأصل وم: في.
[14044]:ساقطة من الأصل وم.
[14045]:في الأصل وم: حيث.
[14046]:ساقطة من الأصل وم.
[14047]:في الأصل وم: التي.
[14048]:ساقطة من الأصل وم.
[14049]:أدرج قبلها في الأصل وم: قال.
[14050]:من م، ساقطة من الأصل.
[14051]:ساقطة من الأصل وم.
[14052]:في الأصل وم: يقول.
[14053]:في الأصل وم: فأضاءت.
[14054]:في الأصل وم: أو.
[14055]:من م، في الأصل: أو محمدا.
[14056]:في الأصل وم: حيث.
[14057]:في الأصل وم: حيث.
[14058]:في الأصل وم: الآية.
[14059]:ساقطة من الأصل وم.
[14060]:أدرج قبلها في الأصل وم: قال.
[14061]:في الأصل وم: وبهرام، وهي بالفارسية.
[14062]:في الأصل: فهو حسن، في م: فهو حسنه.
[14063]:ساقطة من الأصل وم.
[14064]:انظر معجم القراءات القرآنية ج4/253.
[14065]:ساقطة من الأصل وم.
[14066]:في الأصل وم:غرب.
[14067]:انظر معجم القراءات القرآنية 4/255.
[14068]:ساقطة من الأصل وم.
[14069]:في الأصل وم: يعني.
[14070]:من م، في الأصل: الكواكب.
[14071]:الواو ساقطة من الأصل .
[14072]:ساقطة من م.
[14073]:في م: مضيأ ة.
[14074]:من م، ساقطة من الأصل.
[14075]:من م، ساقطة من الأصل.
[14076]:ساقطة من الأصل وم.
[14077]:من م، ساقطة من الأصل.
[14078]:الواو ساقطة من الأصل.