الآية 35 : وقوله تعالى : ]الله نور السموات والأرض[ قال بعضهم : الله هادي السموات والأرض . ثم انقطع الكلام ، فأخذ في نعت محمد صلى الله عليه وسلم وما ضرب له من الأمثال ، فقال : ]مثل نوره[ يقول : نور محمد إذ كان في صلب أبيه ]كمشكاة[ أي كوة بلغة الحبش غير نافذة ]فيها مصباح[ أي سراج ]المصباح[ يقول ، والله أعلم : ذلك السراج المضيء ، ضوؤه ]في زجاجة الزجاجة[ نعتها الصافية التامة الصفاء . والمشكاة صلب أبيه عبد الله . والزجاجة وصفاؤها محمد رسول الله وطهره من الأدناس والمعاصي . والمصباح نوره وصفاؤه قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما فيه من الإيمان والحكمة ]كأنها كوكب دري[ أي محمد صلى الله عليه وسلم ذكره مع أسماء الأنبياء والرسل في اللوح المحفوظ عند الله في الفضيلة على تلك الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم ، كفضل الكوكب الدري أي المضيء ، وهو الزهرة ، على سائر الكواكب .
وقوله تعالى : ]يوقد من شجرة مباركة[ يقول ، والله أعلم : استنار نور محمد من نور إبراهيم ، لأن محمدا على دين إبراهيم وعلى سنته ومنهاجه ، فمثل إبراهيم مثل شجرة المباركة ، وأصل محمد من نسل إبراهيم ، صلوات الله عليهم .
وقوله تعالى ]زيتونة لا شرقية ولا غربية[ ( أراد بالزيتونة ) {[13996]} المحاسن وطاعة إبراهيم لربه ، فنفعه الله بحسن طاعته يوم القيامة وفي غيره من المواطن كما نفع بالزيتونة{[13997]} أهلها في الدنيا ؛ فهي فاكهة وطعام ، وهي إدام ، وهي{[13998]} الصباغ والدهن والدباغة .
( وقوله تعالى ){[13999]} : ]زيتونة لا شرقية ولا غربية[ يقول : إبراهيم ، صلوات الله على نبينا ، وعليه ، لم يكن نصرانيا لقول النصارى : هو نصراني : يصلي إلى قبلة النصارى من قبل المشرق ، ولا يهوديا لقول اليهود : إنه كان على ديننا ، يصلي قبل المغرب لبيت المقدس{[14000]} .
يقول الله تعالى : لم يكن كما قال هؤلاء ]ولكن كان حنيفا مسلما[ ( آل عمران : 67 ) مصليا إلى الكعبة ، وهي قبلته ، وإليها حج .
وقوله تعالى : ]يكاد زيتها يضيء ولو لم يمسسه نار[ يقول : والله أعلم ، لو أن إبراهيم لم يكن نبيا ( لما أصاب ){[14001]} بحسن طاعة الله الفضل مع الأنبياء والرسل في الدنيا والدرجات العلا في الآخرة . وقوله تعالى : ]نور على نور[ لأن محمدا صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الدين والكتاب ، أصل نوره من قبل إبراهيم لأنه على دينه وسنته وكتابه ومنهاجه .
ثم قوله{[14002]} : ]يهدي الله لنوره من يشاء[ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو النور ، وهو القرآن ( يهدي به ){[14003]} ]من يشاء[ /369- أمن سبق له في علمه السعادة ، ويضل{[14004]} عنه ]من يشاء[ ممن سبق له في علمه الشقاء .
ثم قوله{[14005]} : ]ويضرب الله الأمثال للناس[ يعني : ويصف الله الأمثال للناس ليؤمنوا بالله ، ويوحدوه ، ويعرفوا ربوبيته{[14006]} من صنعه ، ويصدقوا بإبراهيم ومحمد ، عليهما السلام أنهما رسولا الرب وهو تأويل مقاتل .
وقال أهل الكلام : قوله : ]الله نور السموات والأرض[ أي أنار الله لأهل السموات والأرض ]مثل نوره[ الذي به أنار ما ذكر مثل المشكاة التي ذكر إلى آخره .
وجائز أن يكون قوله : ]الله نور السموات والأرض[ أي بالله نور أهل السموات والأرض .
ألا ترى أنه قال : ]مثل نوره[ كذا ، ولم يقل مثله ؟ ولو كان النور هو الله ، على ما قاله المشبهة{[14007]} ، وفهموه ، لقال : الله نور السموات والأرض ، مثله كذا ، ولم يقل : مثل نوره فدل قوله : ]مثل نوره[ كذا ( أنه ){[14008]} لم يرد بالنور نفسه ، ولكن ما ذكرنا أنه به نور أهل السموات والأرض .
ألا ترى أنه قال في أخره : ]يهدي الله لنوره من يشاء[ أنه لم يرد بالنور ما فهموا ]ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور[ ( النور : 40 ) ؟
دل أنه ليس على ما ( فهمه المشبهة ){[14009]} أنه نور كسائر الأنوار التي ( عاينوها ، وشاهدوها ){[14010]} .
على هذا يخرج تأويل ابن عباس : قوله{[14011]} تعالى : ]الله نور السموات والأرض[ الله ( هادي{[14012]} أهل السموات والأرض ، وقوله تعالى : ]مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري[ جائز أن يكون قوله : ]مثل نوره[ أي مثل نور المؤمن الذي في قلبه مثل مشكاة فيها مصباح ، لأن المشكاة هي الكُوَّة التي لا منفذ لها ، تدخل فيها الأنوار ؛ تكون مظلمة ، فإذا جعل فيها المصباح أضاء ذلك كله ، وأناره ، حتى لا يبقى فيها ناحية إلا وقد أصابها الضياء والنور . فعلى ذلك القلب ، وهو مظلم ؛ إذ ليس له منفذ ، يدخل فيه النور من الخارج ، فإذا آمن ، أنار الله قلبه بإيمانه حتى ظهر ذلك النور وأثره في جميع نواحيه وجوارحه . وهو ما قال : ]أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه[ ( الزمر : 22 ) .
أخبر أن من ]شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه[ فهذا يدل أن قوله ]مثل نوره[ إنما هو مثل نور المؤمن .
وعلى ذلك روي في حرف أبي بن كعب أنه قرأ : مثل نور المؤمن كمشكاة ، وفي حرف ابن مسعود : مثل نوره في قلب المؤمن ، وقال الحسن : ]مثل نوره[ قال : مثل القرآن في قلب المؤمن ]كمشكاة[ كوة ]فيها مصباح( .
و( يحتمل ){[14013]} أن يكون قوله : ]الله نور السموات والأرض[ أي به تنجلي الظلمات ، وتنكشف الحجب والسواتر ؛ إذ النور إنما سمي نورا لما به تنجلي المظالم ، وتنكشف السواتر والحجب ، لا لأنه{[14014]} نور .
ألا ترى أنه سمى القرآن نورا ، والرسول نورا ، لما بهما{[14015]} تنجلي الشبهات والظلمات ، وبهما{[14016]} ترتفع السواتر والحجب ، وإن كانا في نفسيهما{[14017]} ليسا بنور سماهما{[14018]} نورا لما ذكرنا من [ انجلاء الشبهات ]{[14019]} بهما وارتفاع السواتر .
فعلى ذلك جائز أن يسمي الله نورا ( كل ما ){[14020]} به يكون انجلاء{[14021]} الظلمات والشبه وانكشاف السواتر وارتفاع الحجب لا لأنه{[14022]} نور .
وقوله تعالى : ]مثل نوره[ قال بعضهم : مثل نور المؤمن على ما ذكرنا في ما تقدم . وقال بعضهم : ]مثل نوره[ في صدر المؤمن . وقال بعضهم : مثل نور محمد على ما ذكر مقاتل وغيره . وقال بعضهم : مثل نور القرآن .
وقوله تعالى : ]كمشكاة[ قال ( بعضهم : ){[14023]} الكوة التي لا منفذ لها للنور على ما ذكرنا . وقال بعضهم : موضع الفتيلة من القنديل . وقال بعضهم : الحدائد التي يعلق بها القنديل .
وقوله تعالى : ]لا شرقية ولا غربية[ قال بعضهم : هي شجرة مصحرة ؛ تطلع عليها الشمس إذا طلعت ، وتغرب عنها إذا غربت ، وزيتها{[14024]} أجود الزيت .
وقال بعضهم : هي شجرة في كن ، لا تطلع عليها الشمس إذا طلعت ، ولا تغرب عنها{[14025]} إذا غربت .
وقال بعضهم : ليست شرقية ، لا غرب لها ، ولا غربية ، لا شرق لها ، ولكنها شرقية غربية ؛ فكيف ما كان فإنما ذكر الزيت لصفائه وخلوصه ، فيجب أن يسأل أهله ، فيقال : أي الزيت أجود وأصفى ؟ الذي تصيبه الشمس ، أم{[14026]} الذي لا تصيبه ، أم{[14027]} الذي تصيبه في وقت ، ولا تصيبه في وقت .
وقال بعضهم : ]الله نور السموات والأرض[ هو الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض ( يضيء هداة قلب ){[14028]} المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ( فإذا مسته النار ){[14029]} ازداد ضوءا على ضوء . كذلك يكون قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم ( فإذا جاءه العلم ){[14030]} ازداد هدى على هدى ونورا على نور .
وعن أبي بن كعب أنه{[14031]} قال في قوله : ]مثل نوره[ يقول مثل نور المؤمن ، وكذلك يقرؤها : مثل نور المؤمن على ما ذكرنا من قبل ؛ قال : فهو عبد ، قد جعل القرآن والإيمان في صدره .
قال : ]كمشكاة[ قال : المشكاة صدره ]فيها مصباح[ قال : المصباح القرآن والإيمان الذي جعل في صدره . قال : ]المصباح في زجاجة[ فالزجاجة قلبه .
قال ]الزجاجة كأنها كوكب دري[ يقول : كوكب مضيء ]يوقد من شجرة مباركة[ قال : الشجرة المباركة : ( أصل المبارك : الإخلاص ){[14032]} لله وحده لا يشرك به .
قال : ]لا شرقية ولا غربية[ قال : فمثله كمثل شجرة ، التف بها الشجر ، فهي خضراء ناعمة ، لا تصيبها الشمس على أي حال كانت : لا إذا طلعت ، ولا إذا غربت . وكذلك هذا المؤمن ، قد أجير من أن يصله شيء من الفتن ، وقد ابتلي بها ، فثبته الله فيها ؛ فهو بين أربع خلال : إن ابتلي صبر ، وإن أعطي شكر ، وإن قال صدق : وإن حكم عدل ، فهو في سائر الناس كالرجل الحي ، يمشي في قبور الأموات .
قال : ]نور على نور[ قال : فهو يتقلب في خمسة من الأنوار{[14033]} : كلامه نور ، وعمله{[14034]} نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة .
قال : ثم ضرب مثل الكافر ، فقال : ]والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة[ الآية النور : 39 ) ( يجيء يوم القيامة ، وهو يحسب ){[14035]} أن له عند الله خيرا ، فلا تجده ، فيدخله الله إلى النار .
وقال : ( وضرب مثلا آخر في آية أخرى ){[14036]} فقال : ]أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض[ ( النور : 40 ) فهو يتقلب في ظلمات .
وقال بعضهم في قوله تعالى : ]الله نور السموات والأرض[ أي بنوره يهتدي من في السموات ومن في الأرض على ما ذكرنا ]مثل نوره[ في قلب المؤمن ]كمشكاة[ هي الكوة غير النافذة على ما ذكرنا ]فيها مصباح[ أي سراج ]كأنها كوكب دري[ مضيء ، أي منسوب إلى الدر ، وهو قول القتبي .
وقال أبو عوسجة : ]كمشكاة[ الكوة التي تكون في الحائط ، ومشاك جماعة ، وكوى جماعة ، ]وكوكب دري[ ( شديد الضوء ، ودري هو أيضا من الضوء مأخوذ ، هما جميعا من الضوء{[14037]} ، وكواكب درار{[14038]} مضيئة .
وعن أبي بن كعب ( في قوله تعالى : ]مثل نوره[ أنه ) {[14039]} قال : ضرب مثل محمد ]كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري[ {[14040]} مثل لسانه وصدره وقلبه ]يكاد زيتها يضيء[ قال : يكاد محمد يبين للناس ، وإن لم ينطق ( أنه نبي كما يكاد ذلك الزيت يضيء ]ولو لم تمسسه نار ) . {[14041]}
وعن الضحاك بن مزاحم ( في قوله : ]كأنها كوكب دري[ أنه ){[14042]} قال : خلقت الكواكب من نار ، ويقال لها : درار ، فمن ثمة قال ]كوكب دري( .
وقد ذكرنا قولهم في المشكاة ؛ قال بعضهم : الكوة التي لا منفذ لها . وقال بعضهم : الفتيلة . وقال بعضهم : الفتيلة التي في جوف القنديل نفسه وقال /369- ب/ بعضهم : هي الحدائد التي يعلق بها القنديل ، وأما الزجاجة فهي القنديل .
ثم إن كان قوله : ]مثل نوره[ أي نور المؤمن فليس ذلك وصف كل مؤمن ونعته ، ولكن وصف المؤمن الذي تجتمع فيه جميع شرائط الإيمان وجميع الأخلاق الحسنة والآداب لأنه وصفه بطهارة نفسه وجسده وقلبه وجميع أعماله وأفعاله لأنه قال : ]كمشكاة[ وهي قلبه ]فيها مصباح[ وهو صدره الذي فيه{[14043]} قلبه ]المصباح في زجاجة[ وهو الإيمان الذي في صدره .
ثم نعت الزجاج ، فقال : ]الزجاجة كأنها كوكب دري[ أي مضيء . وقال بعضهم : من الدر فوصف الكل بالضياء والنور وطهارة الداخل منه والخارج ونقاوته .
فهو المؤمن الذي تجتمع فيه شرائط والخصال المحمودة ، وأما كل المؤمن فلا يحتمل ، وهذا أشبه . ألا ترى أنه ذكر نعت الكافر من بعد ( هذا ){[14044]} وخبثه حين{[14045]} قال : ]والذين كفروا بأعمالهم كسراب بقيعة( ؟ ( النور : 39 ) .
وإن كان ( قوله : ]مثل نوره( ){[14046]} وصف محمد ففيه جميع ما ذكر ، ونعته .
وإن كان القرآن فهو كذلك أيضا .
وقوله تعالى : ]يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار[ الذي{[14047]} ذكرنا .
( وقوله تعالى ) : {[14048]} ]يهدي الله لنوره من يشاء[ يحتمل ]يهدي الله لنوره[ لنور محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل القرآن ، ويحتمل الإيمان والهدى .
وقال بعضهم : ]نور على نور[ فالزيت{[14049]} نور ، والمصباح ( نور ){[14050]} والقنديل نور ، وقال ( بعضهم ){[14051]} : المؤمن نور وعمله نور ، وكلامه نور .
ويحتمل قوله : ]يهدي الله لنوره من يشاء[ أي بنوره أضاءت السموات والأرض على ما ذكرنا : مثل نوره يكون{[14052]} في قلب المؤمن .
وهو في حرف ابن مسعود رضي الله عنه في قلب المؤمن : وهذا مثل ضربه للإيمان والقرآن والقلب حين يدخله الإيمان والقرآن ]كمشكاة[ يعني الكوة ]فيها مصباح [ يعني الإيمان والقرآن [ المصباح في زجاجة ] يعني القلب ، والمشكاة الصدر ؛ كما دخل هذا المصباح في الزجاجة ، فأضاءه ، فكذلك أضاء القلب .
ثم خرج من الزجاجة ، فأضاء{[14053]} المشكاة . فكذلك أضاء الصدر . ثم نزل الضوء من الكوة ، فأضاء البيت . فكذلك نزل النور من الصدر ، فأضاء الجوف كله ، فلم يدخله حرام ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ]ويضرب الله الأمثال للناس[ يحتمل ضرب الأمثال وجهين : أحدهما : ضرب لأفعالهم وأقوالهم مثلا ليعرفوا مقاديرها في الحسن والجمال ، ليعلموا قدرها من الجزاء والثواب .
( والثاني ){[14054]} : ضرب الأمثال لهم للأنفس المكرمين المعظمين المستوجبين كل خير ، ليرغبوا في مثل ذلك ، فيستوجبوا ما استوجب أولئك .
وكان ضرب مثل الإيمان والقرآن ومحمد{[14055]} وما كان على اختلاف ما قالوا بالأنوار التي ضربها ، والله أعلم ، لما أنه قد أقام الحجج والبراهين على الإيمان والقرآن ومحمد حتى صاروا كالأنوار التي شبههم بها من الحسن والجمال والضياء والبهاء حتى يعرف حسن هذه الأنوار وبهاءها كل أحد .
فعلى ذلك المضروب بها المثل : صار في الحسن والبهاء بالحجج والبراهين كالأنوار التي لا يخفى حسنها وبهاؤها على أحد ، ولا ينكرها إلا معاند ومكابر .
وكان مثل الكفر والعناد من القبح والفساد والبطلان كالظلمات التي ذكر ]بعضها فوق بعض[ ( النور : 40 ) وكالسراب والزبد الذي ذكر حين{[14056]} قال : ]والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة[ ( النور : 39 ) وكالظلمات التي ذكر حين{[14057]} قال : ]أو كظلمات في بحر لجي[ وقال {[14058]} : ]ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور[ ( النور : 40 ) .
وقال ابن عباس رضي الله عنه ( في قوله ){[14059]} ]كأنها كوكب دري[ الأنجم{[14060]} الخمسة كلهن دري الزهرة وعطارد والمشتري والمريخ{[14061]} وزحل .
قال قتادة : الدري الضخم المنير . قال الكسائي : من همز دري ( فقد أراد حسنه ){[14062]} وظهوره وارتفاعه ؛ يقول : درأ النجم ، وهو ( داري ، وهو ){[14063]} فاش ظاهر في كلام العرب .
ومن رفع الدال ، ولم يهمز ، فهو ينسبه إلى الدر ، ومنهم من يرفع الدال ويهمز ، وأظنها لغة{[14064]} .
وقال أبو عمرو بن العلاء : الدري النجم الذي تراه يتلألأ ، كأنه يجيء ، ويذهب .
وقد روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ){[14065]} قال " إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة ، فتضيء الجنة بوجهه ، كأنه كوكب دري ، وإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لمنهم ، وأنعما " ( أبو داود : 3987 ) .
وفي خبر آخر عنه : " إن أول زمرة تدخل الجنة ، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على أضواء كوكب دري في السماء . لكل امرئ منهم زوجان اثنتان آدميتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم . والذي نفس محمد بيده ما فيها عيب{[14066]} " ( بنحوه مسلم : 2834 ) .
وقوله تعالى : ]يوقد من شجرة مباركة[ اختلف في قراءته{[14067]} : قرأ بعضهم : يوقد بالياء ورفعها ونصب القاف ؛ يقول : المصباح يوقد . ومن قرأ : توقد بالتاء ورفعها يعني الزجاجة التي توقد . وأهل مكة ( قرؤوا ){[14068]} : توقد بنصب وتشديد القاف ؛ يعنون{[14069]} المصباح توقد ، فلذلك انتصب . ومن قرأ : يوقد ؛ يعني الكوكب{[14070]} أو المصباح .
وقوله تعالى : ]لا شرقية ولا غربية[ قد ذكرنا بعض أقاويلهم في ما تقدم . لكنا نريد فيها شيئا قال قائل : هي شجرة ضاحية من حين تطلع الشمس إلى أن تغرب ، ليس لها ظل شرقي ولا غربي ، وزيتها أصفى الزيت وأعذبه وأطيبه .
وقال قائل : ليست بشرقية ، يجوزها المشرق دون المغرب ، وليست{[14071]} بغربية ، يجوزها المغرب دون المشرق .
ولكنها في صحراء أو في رأس جبل ، تصيبها الشمس النهار كله ، وهو مثل الأول .
وقال الكسائي : ليست بشرقية وحدها ، ولا بغربية وحدها ، ولكنها شرقية وغربية كما تقول : لا آتيك ، ولا آتي فلانا : له معنيان ؛ عن شئت كان معناه : لا تأتي واحدا منهما ، وإن شئت كان معناه : أنك لا تأتيهما معا . ومثله : والله لا آكل ، ولا يأكل زيد ، له{[14072]} معنيان :
وكذلك يقال : رجل ، لا يرجو الجنة ، ولا يخاف النار ، ويحب الفتنة ؛ إنه رجل صالح . أما الفتنة فالمال والولد : قال الله تعالى : ]واعملوا أنما أموالكم وأولادكم فتنة[ ( الأنفال : 28 والتغابن : 15 ) وهو يرجو الجنة ، ويخاف النار على ما فسرناه .
وقال بعضهم : ]لا شرقية[ يقول : لا تضحى للشمس من أول النهار إلى آخره ]ولا غربية[ تصيبها الشمس والظل . والعرب تقول : لا خير في شجرة ( في مضوأة{[14073]} ، ولا خير في شجرة ){[14074]} في مضحاة .
وقائل يقول : لا تطلع الشمس ، ولا تغرب ، وقائل يقول : هي شجرة بالشام ، ليست ( بالمشرق ، وليست ){[14075]} بالمغرب . والحسن يقول : والله لو كانت هذه الزيتونة في الأرض لكانت شرقية أو غربية . والله ما في الأرض . ولكن هذا مثل ، ضربه الله تعالى لنوره ، وهو هذا القرآن .
وأما قوله : ]نور على نور[ ( فقد ){[14076]} قال : بعضهم : إيمان المؤمن نور ( وعلمه نور ){[14077]} ، فهو نور على نور . وقال{[14078]} بعضهم : نور النار على نور الزيت ، فذلك نور على نور ، وهو بجودته ؛ يعني الزيت . وقال بعضهم : نور النار ونور الزيت حين اجتمعا أضاءا ، ولا يضيء واحد بغير صاحبه . كذلك نور القرآن ونور الإيمان إذا اجتمعا لا يكون أحدهما مضيئا إلا بصاحبه . وقال بعضهم : /370- أ/ ذكرنا من نور الإيمان والعمل .
ثم معنى تشبيه ما ذكر بالزيت لأن الزيت أصفى شيء وأطهر وأطيب شيء وأضوأ للسراج ، كل المنافع من الإدام والدواء وغيره ، والله أعلم .