في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

ثم ينتقل بهم من ذوات أنفسهم وحركة الأحياء حولهم ، إلى الظواهر الكونية ، وما ينشأ عنها من أسباب الحياة لهم وللأحياء جميعاً :

( واختلاف الليل والنهار ، وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها ، وتصريف الرياح ، آيات لقوم يعقلون ) . .

واختلاف الليل والنهار ظاهرتان قد يُخلق جدتهما في نفوس البشر التكرار ! ولكن أية عجيبة تطالع الحس البشري وهو يواجه الليل أول مرة أو يواجه النهار ? إن القلب الشاعر المتفتح يرى هذه العجيبة دائماً ، وينتفض لها دائماً ؛ ويرى يد الله التي تدير الكون كله كلما رأى الليل والنهار .

وتنمو معارف البشر ، ويتسع علمهم عن بعض الظواهر الكونية ، ويعرفون أن الليل والنهار ظاهرتان تنشآن عن دورة الأرض حول محورها أمام الشمس مرة في كل أربع وعشرين ساعة . ولكن العجيبة لا تنقص شيئاً بهذه المعرفة . فإن دورة الأرض هذه عجيبة أخرى . دورة هذا الجرم حول نفسه بهذه السرعة المنتظمة ، وهو عائم في الهواء ، سابح في الفضاء ، غير مستند إلى شيء إلا إلى القدرة التي تمسك به وتديره كما شاءت بهذا النظام الذي لا يتخلف ، وبهذا القدر الذي يسمح للأحياء والأشياء أن تظل على سطح هذا الكوكب السابح السارح الدائر في الفضاء !

ويتوسع البشر في علمهم فيدركون أهمية هاتين الظاهرتين على سطح الأرض بالقياس إلى الحياة والأحياء ؛ ويعرفون أن تقسيم الأوقات بين الليل والنهار بهذه النسبة على سطح هذا الكوكب عامل رئيسي لوجود الحياة وبقاء الأحياء ؛ وأنه لو لم توجد هاتان الظاهرتان بهذا القدر وعلى هذا النظام لتغير كل شيء على هذه الأرض ، وبخاصة تلك الحياة الإنسانية التي تخص المخاطبين . من الأحياء ! ومن ثم تزداد هاتان الظاهرتان أهمية في الحس البشري ولا تنقصان !

( وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها ) . .

والرزق قد يكون المقصود به هو الماء النازل من السماء . كما فهم منه القدماء . ولكن رزق السماء أوسع . فهذه الأشعة التي تنزل من السماء ليست أقل أثراً في إحياء الأرض من الماء . بل إنها لهي التي ينشأ عنها الماء بإذن الله . فحرارة الشمس هي التي تبخر الماء من البحار فتتكاثف وتنزل أمطاراً ، وتجري عيوناً وأنهاراً ؛ وتحيا بها الأرض بعد موتها . تحيا بالماء وتحيا بالحرارة والضياء سواء !

( وتصريف الرياح ) . .

وهي تمضي شمالاً وجنوباً ، وشرقاً وغرباً ، منحرفة ومستقيمة ، دافئة وباردة ، وفق النظام الدقيق المنسوق المقصود في تصميم هذا الكون العجيب ؛ وحساب كل شيء فيه حساباً دقيقاً لا يترك شيئاً للمصادفة العمياء . . ولتصريف الرياح علاقة معروفة بدورة الأرض ، وبظاهرتي الليل والنهار ، وبالرزق الذي ينزل من السماء . وكلها تتعاون في تحقيق مشيئة الله في خلق هذا الكون ، وتصريفه كما اراد . وفيها( آيات )معروضة في الكون . ولكن لمن ?

( لقوم يعقلون ) . .

فللعقل هنا عمل ، وله في هذا الميدان مجال .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

قوله تعالى : { واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق } يعني الغيث الذي هو سبب أرزاق العباد . { فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون . }

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{و} في {واختلاف الليل والنهار} وهما آيتان.

{وما أنزل الله من السماء من رزق} يعني المطر.

{فأحيا به الأرض بعد موتها} فأنبتت.

{وتصريف الرياح} في الرحمة والعذاب، ففي هذا كله {آيات لقوم يعقلون} بتوحيد الله عز وجل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تبارك وتعالى: وفي "اخْتِلافِ اللّيْلِ والنّهارِ "أيها الناس، تعاقبهما عليكم، هذا بظلمته وسواده وهذا بنوره وضيائه، "وَما أنْزَلَ اللّهُ مِنَ السّماءِ مِنْ رِزْقٍ" وهو الغيث الذي به تخرج الأرض أرزاق العباد وأقواتهم، وإحيائه الأرض بعد موتها: يقول: فأنبت ما أنزل من السماء من الغيْث ميت الأرض، حتى اهتزّت بالنبات والزرع من بعد موتها، يعني: من بعد جدوبها وقحوطها ومصيرها دائرة لا نبت فيها ولا زرع.

وقوله: "وَتَصْرِيفِ الرّياحِ" يقول: وفي تصريفه الرياح لكم شمالاً مرّة، وجنوبا أخرى، وصبا أحيانا، ودبورا أخرى لمنافعكم.

وقد قيل: عنى بتصريفها بالرحمة مرّة، وبالعذاب أخرى...

وقوله: "آياتٌ لِقَوْم يَعْقِلُونَ"، يقول تعالى ذكره: في ذلك أدلة وحجج لله على خلقه، لقوم يعقلون عن الله حججه، ويفهمون عنه ما وعظ به من الآيات والعِبر.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

جَعَلَ اللَّهُ العلومَ الدينية كسبيةً مُصَحَّحةً بالدلائل، مُحَقِّقةً بالشواهد. فَمَنْ لم يَسْتَبْصِرْ بها زلَّتْ قَدَمُه عن الصراط المستقيم، ووقع في عذاب الجحيم؛ فاليومَ في ظلمة الحيرة والتقليد، وفي الآخرة في التخليد في الوعيد...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

إنّ المنصفين من العباد إذا نظروا في السموات والأرض النظر الصحيح، علموا أنها مصنوعة، وأنه لا بدّ لها من صانع، فآمنوا بالله وأقرّوا، فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وهيئة إلى هيئة، وفي خلق ما على ظهر الأرض من صنوف الحيوان، ازدادوا إيماناً، وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس؛ فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدّد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بها بعد موتها. {وَتَصْرِيفِ الرياح}: عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما ذكر الظرف وما خلق لأجله من الناس، ضم إليهم بعض ما خلقه لأجلهم لشرفه- بالحياة، أتبعه ما أودع الظرف من المرافق لأجل الحيوان فقال: {واختلاف الّليل والنهار} بذهاب أحدهما ووجود الآخر بعد ذهابه على التعاقب آية متكررة للدلالة على القدرة على الإيجاد بعد الإعدام بالبعث وغيره، وجر "اختلاف "بتقدير "في" فينوب حرف العطف مناب عامل واحد للابتداء عند من رفع "آيات"، ومناب" إن "عند من نصب، فلم يلزم نيابته مناب عاملين مختلفين في الابتداء في الرفع وفي" إن "في النصب.

ولما كان المطر أدل مما مضى على البعث والعزة؛ لأن الشيء كلما قل الإلف له كان أمكن للتأمل فيه، أولاه إياه فقال: {وما أنزل الله} أي الذي تمت عظمته فنفذت كلمته.

ولما كان الإنزال قد يستعمل فيما اتى من علو معنوي وإن لم يكن حسياً، بين أن المراد هنا الأمران فقال: {من السماء}.

ولما كانت منافع السماء غير منحصرة في الماء قال: {من رزق} أي مطر وغيره من الأسباب المهيئة لإخراج الرزق.

{فأحيا به} أي بسببه وتعقبه {الأرض} أي الصالحة للحياة، ولذلك قال: {بعد موتها} أي يبسها و تهشم ما كان فيها من النبات وانقلابه بالاختلاط بترابها تراباً، فإذا نزل عليها الماء جمعه منها فأخرجه على ما كان عليه كلما تجدد نزوله ولذلك لم يأت بالجار إشارة إلى دوام الحياة بالقوة إن لم يكن بالفعل.

ولما ذكر ما يشمل الماء، ذكر- سبب السحاب الذي يحمله فقال: {وتصريف الرياح} في كل جهة من جهات الكون وفي كل معنى من رحمة وعذاب وغير ذلك من الأسباب، ولم يذكر الفلك والسحاب كما في البقرة لاقتضاء اللبابية المسماة بها الحواميم؛ ذلك لأنهما من جملة منافع التصريف، وتوحيد حمزة والكسائي أبلغ؛ لأن تصريف الشيء الواحد في الوجوه الكثيرة أعجب.

{آيات} قراءة الرفع أبلغ لإشارتها بعدم الحاجة إلى التأكيد إلى أن ما في الآية ظاهر الدلالة على القدرة والاختيار للصانع بما في التصريف من الاختلاف، والماء بما يحدث عنه من الإنبات أوضح دلالة من بقيتها على البعث، ولأجل شدة ظهورها ناط الأمر فيها بالعقل فقال: {لقوم يعقلون *} وقال القالي: والمعنى أن المنصفين لما نظروا في السماوات والأرض وأنه لا بد لهما من صانع آمنوا، فإذا نظروا في خلق أنفسهم ونحوها ازدادوا إيماناً فأيقنوا، فإذا نظروا في سائر الحوادث عقلوا واستحكم علمهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ينتقل بهم من ذوات أنفسهم وحركة الأحياء حولهم، إلى الظواهر الكونية، وما ينشأ عنها من أسباب الحياة لهم وللأحياء جميعاً: (واختلاف الليل والنهار، وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها، وتصريف الرياح، آيات لقوم يعقلون).. واختلاف الليل والنهار ظاهرتان قد يُخلق جدتهما في نفوس البشر التكرار! ولكن أية عجيبة تطالع الحس البشري وهو يواجه الليل أول مرة أو يواجه النهار؟ إن القلب الشاعر المتفتح يرى هذه العجيبة دائماً، وينتفض لها دائماً؛ ويرى يد الله التي تدير الكون كله كلما رأى الليل والنهار. وتنمو معارف البشر، ويتسع علمهم عن بعض الظواهر الكونية، ويعرفون أن الليل والنهار ظاهرتان تنشآن عن دورة الأرض حول محورها أمام الشمس مرة في كل أربع وعشرين ساعة. ولكن العجيبة لا تنقص شيئاً بهذه المعرفة. فإن دورة الأرض هذه عجيبة أخرى. دورة هذا الجرم حول نفسه بهذه السرعة المنتظمة، وهو عائم في الهواء، سابح في الفضاء، غير مستند إلى شيء إلا إلى القدرة التي تمسك به وتديره كما شاءت بهذا النظام الذي لا يتخلف، وبهذا القدر الذي يسمح للأحياء والأشياء أن تظل على سطح هذا الكوكب السابح السارح الدائر في الفضاء! ويتوسع البشر في علمهم فيدركون أهمية هاتين الظاهرتين على سطح الأرض بالقياس إلى الحياة والأحياء؛ ويعرفون أن تقسيم الأوقات بين الليل والنهار بهذه النسبة على سطح هذا الكوكب عامل رئيسي لوجود الحياة وبقاء الأحياء؛ وأنه لو لم توجد هاتان الظاهرتان بهذا القدر وعلى هذا النظام لتغير كل شيء على هذه الأرض، وبخاصة تلك الحياة الإنسانية التي تخص المخاطبين. من الأحياء! ومن ثم تزداد هاتان الظاهرتان أهمية في الحس البشري ولا تنقصان!

(وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها).. والرزق قد يكون المقصود به هو الماء النازل من السماء. كما فهم منه القدماء. ولكن رزق السماء أوسع. فهذه الأشعة التي تنزل من السماء ليست أقل أثراً في إحياء الأرض من الماء. بل إنها لهي التي ينشأ عنها الماء بإذن الله. فحرارة الشمس هي التي تبخر الماء من البحار فتتكاثف وتنزل أمطاراً، وتجري عيوناً وأنهاراً؛ وتحيا بها الأرض بعد موتها. تحيا بالماء وتحيا بالحرارة والضياء سواء!

(وتصريف الرياح).. وهي تمضي شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، منحرفة ومستقيمة، دافئة وباردة، وفق النظام الدقيق المنسوق المقصود في تصميم هذا الكون العجيب؛ وحساب كل شيء فيه حساباً دقيقاً لا يترك شيئاً للمصادفة العمياء.. ولتصريف الرياح علاقة معروفة بدورة الأرض، وبظاهرتي الليل والنهار، وبالرزق الذي ينزل من السماء. وكلها تتعاون في تحقيق مشيئة الله في خلق هذا الكون، وتصريفه كما اراد. وفيها (آيات) معروضة في الكون. ولكن لمن؟ (لقوم يعقلون).. فللعقل هنا عمل، وله في هذا الميدان مجال.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

قوله تعالى : " إن في السماوات والأرض " أي في خلقهما " لآيات للمؤمنين ، وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ، واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق " يعني المطر . " فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون " تقدم جميعه مستوفى في " البقرة " وغيرها{[13771]} . وقراءة العامة وما يبث من دابة آيات " " وتصريف الرياح آيات " بالرفع فيهما . وقرأ حمزة والكسائي بكسر التاء فيهما . ولا خلاف في الأول أنه بالنصب على اسم " إن " وخبرها " في السموات " . ووجه الكسر في " آيات " الثاني العطف على ما عملت فيه ، التقدير : إن في خلقكم وما يبث من دابة آيات . فأما الثالث فقيل : إن وجه النصب فيه تكرير " آيات " لما طال الكلام ، كما تقول : ضرب زيدا زيدا . وقيل : إنه على الحمل على ما عملت فيه " إن " على تقدير حذف " في " . التقدير : وفي اختلاف الليل والنهار آيات . فحذفت " في " لتقدم ذكرها . وأنشد سيبويه في الحذف :

أكلَّ امرئٍ تحسبين امرَأً *** ونارٍ تَوَقَّدُ بالليل نَارَا{[13772]}

فحذف " كل " المضاف إلى نار المجرورة لتقدم ذكرها . وقيل : هو من باب العطف على عاملين . ولم يجزه سيبوبه ، وأجازه الأخفش وجماعة من الكوفيين ، فعطف " واختلاف " على قوله : ( وفي خلقكم ) ثم قال : ( وتصريف الرياح آيات ) فيحتاج إلى العطف على عاملين ، والعطف على عاملين قبيح من أجل أن حروف العطف تنوب مناب العامل ، فلم تقو أن تنوب مناب عاملين مختلفين ؛ إذ لو ناب مناب رافع وناصب لكان رافعا ناصبا في حال . وأما قراءة الرفع فحملا على موضع " إن " مع ما عملت فيه . وقد ألزم النحويون في ذلك أيضا العطف على عاملين ؛ لأنه عطف " واختلاف " على " وفي خلقكم " ، وعطف " آيات " على موضع " آيات " الأول ، ولكنه يقدر على تكرير " في " . ويجوز أن يرفع على القطع مما قبله فيرفع بالابتداء ، وما قبله خبره ، ويكون عطف جملة على جملة . وحكى الفراء رفع " واختلاف " و " آيات " جميعا ، وجعل الاختلاف هو الآيات .


[13771]:راجع ج 2 ص 191 وما بعدها. و ج 14 ص 58.
[13772]:البيت لأبي دؤاد الأيادي.

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

ولما ذكر الظرف وما خلق لأجله من الناس ، ضم إليهم بعض ما خلقه لأجلهم لشرفه-{[57882]} بالحياة ، أتبعه ما أودع الظرف من المرافق لأجل الحيوان فقال : { واختلاف الّليل والنهار } بذهاب أحدهما ووجود الآخر بعد ذهابه على التعاقب آية متكررة للدلالة على القدرة على الإيجاد بعد الإعدام بالبعث وغيره ، وجر " اختلاف " بتقدير " في " فينوب حرف العطف مناب عامل واحد للابتداء عند من رفع " آيات " ، ومناب " إن " {[57883]} عند من نصب ، فلم يلزم نيابته مناب عاملين مختلفين في الابتداء في الرفع وفي " إن " في النصب .

ولما كان المطر أدل مما مضى على البعث والعزة ، لأن الشيء كلما قل الإلف له كان أمكن للتأمل فيه ، أولاه إياه فقال : { وما أنزل الله } أي الذي تمت عظمته فنفذت كلمته . ولما كان الإنزال قد يستعمل فيما اتى من علو معنوي وإن لم يكن حسياً ، بين أن المراد هنا الأمران فقال : { من السماء }{[57884]} .

ولما كانت منافع السماء غير منحصرة في الماء قال : { من رزق } أي مطر وغيره من الأسباب المهيئة لإخراج الرزق { فأحيا به } أي بسببه وتعقبه { الأرض } أي الصالحة للحياة ، ولذلك قال : { بعد موتها } أي يبسها{[57885]} و{[57886]}تهشم ما كان فيها من النبات وانقلابه بالاختلاط{[57887]} بترابها تراباً ، فإذا نزل عليها الماء جمعه{[57888]} منها فأخرجه على ما كان عليه كلما تجدد نزوله ، ولذلك لم يأت بالجار{[57889]} إشارة إلى دوام الحياة بالقوة إن لم يكن بالفعل .

ولما ذكر ما يشمل الماء ، ذكر-{[57890]} سبب السحاب الذي يحمله فقال : { وتصريف الرياح } في كل جهة {[57891]}من جهات الكون{[57892]} وفي كل معنى من رحمة وعذاب وغير ذلك من الأسباب ، ولم يذكر الفلك والسحاب كما في البقرة لاقتضاء اللبابية{[57893]} المسماة بها الحواميم ، ذلك لأنهما{[57894]} من جملة منافع التصريف ، وتوحيد حمزة والكسائي{[57895]} أبلغ ؛ لأن تصريف الشيء الواحد في الوجوه الكثيرة أعجب { آيات } قراءة الرفع أبلغ لإشارتها بعدم الحاجة إلى التأكيد إلى أن ما في الآية ظاهر الدلالة على القدرة والاختيار للصانع بما في التصريف من الاختلاف ، والماء بما يحدث عنه من الإنبات{[57896]} أوضح دلالة من بقيتها على البعث ، ولأجل شدة ظهورها ناط الأمر فيها بالعقل فقال : { لقوم يعقلون * } وقال القالي{[57897]} : والمعنى أن المنصفين{[57898]} لما نظروا في السماوات والأرض وأنه لا بد لهما من صانع آمنوا ، فإذا نظروا في خلق أنفسهم ونحوها ازدادوا إيماناً فأيقنوا ، فإذا نظروا في سائر الحوادث عقلوا واستحكم علمهم .


[57882]:زيد من م ومد.
[57883]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أي.
[57884]:زيد في الأصل: فيه مناسبة لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض حديث"ورزقتم من سبع" ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57885]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بسببهغا.
[57886]:زيد في الأصل و ظ: لذلك، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[57887]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: من الاختلاط.
[57888]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: جميعه.
[57889]:زيدت الواو بعده في الأصل و ظ ولم تكن في م ومد فحذفناها.
[57890]:زيد من م ومد.
[57891]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[57892]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[57893]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: اللبابة.
[57894]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لأنها.
[57895]:راجع نثر المرجان6/494.
[57896]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الإثبات.
[57897]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: العالي.
[57898]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: المصنفين.