في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةٞ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (120)

100

والخاتمة الأخيرة . خطاب للرسول [ ص ] عن حكمة سوق القصص إليه في خاصة نفسه للمؤمنين . فأما الذين لا يؤمنون فليلق إليهم كلمته الأخيرة ، وليفاصلهم مفاصلة حاسمة ، وليخل بينهم وبين ما ينتظرهم في غيب الله . ثم ليعبد الله وليتوكل عليه ، ويدع القوم لما يعملون . .

)وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ، وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين . وقل للذين لا يؤمنون : اعملوا على مكانتكم إنا عاملون ، وانتظروا إنا منتظرون . ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله ، فاعبده وتوكل عليه ، وما ربك بغافل عما تعملون ) . .

ويا لله للرسول [ ص ] لقد كان يجد من قومه ، ومن انحرافات النفوس ، ومن أعباء الدعوة ، ما يحتاج معه إلى التسلية والتسرية والتثبيت من ربه - وهو الصابر الثابت المطمئن إلى ربه - :

( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ) . .

وجاءك في هذه الحق . .

أي في هذه السورة . . الحق من أمر الدعوة ، ومن قصص الرسل ، ومن سنن الله ، ومن تصديق البشرى والوعيد .

وموعظة وذكرى للمؤمنين . .

تعظهم بما سلف في القرون وتذكرهم بسنن الله وأوامره ونواهيه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةٞ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (120)

{ وكلاًّ } وكل نبأ . { نقصّ عليك من أنباء الرسل } نخبرك به . { ما نثبّت به فؤادك }

بيان لكلا أو بدل منه ، وفائدته التنبيه على المقصود من الاقتصاص وهو زيادة يقينه وطمأنينة قلبه وثبات نفسه على أداء الرسالة واحتمال أذى الكفار ، أو مفعول { وكلا } منصوب على المصدر بمعنى كل نوع من أنواع الاقتصاص نقص عليك ما نثبت به فؤادك من أنباء الرسل . { وجاءك في هذه } السورة أو الأنباء المقتصة عليك . { الحق } ما هو حق . { وموعظة وذكرى للمؤمنين } إشارة إلى سائر فوائده العامة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةٞ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (120)

هذا تذييل وحوصلة لما تقدّم من أنباء القرى وأنباء الرسل . . .

فجملة { وكُلاّ نَقُصّ عليك من أنباء الرسل } إلى آخرها عطفُ الإخبار على الإخبار والقصة على القصة ، ولك أن تجعل الواو اعتراضيّة أو استئنافية . وهذا تهيئة لاختتام السورة وفذلكة لما سيق فيها من القصص والمواعظ .

وانتصف { كُلاّ } على المفعولية لفعل { نقُصُّ } . وتقديمه على فعله للاهتمام ولِمَا فيه من الإبهام ليأتي بيانه بعده فيكون أرسخ في ذهن السامع .

وتنوين { كُلاّ } تنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف المبيّن بقوله : { من أنباء الرسل } . فالتقدير : وكلّ نبأ عن الرسل نقصّه عليك ، فقوله : { من أنباء الرسل } بيان للتّنوين الذي لحق ( كلاّ ) . و { ما نثبّت به فؤادك } بدل من { كلاّ } .

والقصص يأتي عند قوله تعالى : { نحن نقصّ عليك أحسن القصص } في أوّل سورة [ يوسف : 3 ] .

والتثبيت : حقيقته التسكين في المكان بحيث ينتفي الاضطراب والتزلزل . وتقدّم في قوله تعالى : { لكان خيراً لهم وأشدّ تثبيتاً } في سورة [ النساء : 66 ] ، وقوله : { فثبتوا الذين آمنوا } في سورة [ الأنفال : 12 ] ، وهو هنا مستعار للتقرير كقوله : { ولكن ليطمئن قلبي } [ البقرة : 260 ] .

والفؤاد : أطلق على الإدراك كما هو الشّائع في كلام العرب .

وتثبيت فؤاد الرّسول صلى الله عليه وسلم زيادة يقينه ومعلوماته بما وعده الله لأن كل ما يعاد ذكره من قصص الأنبياء وأحوال أممهم معهم يزيده تذكراً وعلماً بأنّ حاله جار على سنن الأنبياء وازداد تذكراً بأنّ عاقبته النصر على أعدائه ، وتجدّد تسلية على ما يلقاه من قومه من التكذيب وذلك يزيده صبراً . والصبر : تثبيت الفؤاد .

وأنّ تماثل أحوال الأمم تلقاء دعوة أنبيائها مع اختلاف العصور يزيده علماً بأنّ مراتب العقول البشريّة متفاوتة ، وأن قبول الهدي هو منتهى ارتقاء العقل ، فيعلم أن الاختلاف شنشنة قديمة في البشر ، وأنّ المصارعة بين الحق والباطل شأن قديم ، وهي من النواميس التي جُبِلَ عليها النظام البشري ، فلا يُحْزنه مخالفة قومه عليه ، ويزيده علماً بسمُوّ أتباعه الذين قبلوا هداه ، واعتصموا من دينه بعراه ، فجاءه في مثل قصة موسى عليه السّلام واختلاف أهل الكتاب فيه بيان الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين فلا يقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب .

والإشارة من قوله : { في هذه } قيل إلى السورة وروي عن ابن عبّاس ، فيقتضي أن هذه السورة كانت أوفى بأنباء الرسل من السور النازلة قبلها وبهذا يجري على قول من يقول : إنها نزلت قبل سورة يونس . والأظهر أن تكون الإشارة إلى الآية التي قبلها وهي { فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض } إلى قوله { من الجنة والنّاس أجمعين } [ هود : 116 119 ] . فتكون هذه الآيات الثلاث أول ما نزل في شأن النهي عن المنكر .

على أن قوله : { وجاءك في هذه الحق } ليس صريحاً في أنه لم يجىء مثله قبل هذه الآيات ، فتأمل .

ولعلّ المراد ب { الحق } تأمين الرسول من اختلاف أمته في كتابه بإشارة قوله : { فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقيّة } [ هود : 116 ] المفهم أنّ المخاطبين ليسوا بتلك المثابة ، كما تقدّمت الإشارة إليه آنفاً .

وتعريفُه إشارة إلى حق معهود للنبيء ؛ إمّا بأن كان يتطلّبه ، أو يسأل ربه .

والموعظة : اسم مصدر الوعظ ، وهو التّذكير بما يَصُدّ المرء عن عمل مضرّ .

والذكرى : مجرد التّذكير بما ينفع . فهذه موعظة للمسلمين ليحذروا ذلك وتذكيراً لهم بأحوال الأمم ليقيسوا عليها ويتبصّروا في أحوالها . وتنكير { موعظة وذكرى } للتعظيم .