البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةٞ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (120)

الظاهر أن كلاً مفعول به ، والعامل فيه نقص ، والتنوين عوض من المحذوف ، والتقدير : وكل نبأ نقص عليك .

ومن أنباء الرسل في موضع الصفة لقوله : وكلاً إذ هي مضافة في التقدير إلى نكرة ، وما صلة كما هي في قوله : { قليلاً ما تذكرون } قيل : أو بدل ، أو خبر مبتدأ محذوف أي : هو ما نثبت ، فتكون ما بمعنى الذي ، أو مصدرية .

وأجازوا أن ينتصب كلاً على المصدر ، وما نثبت مفعول به بقولك نقص ، كأنه قيل : ونقص عليك الشيء الذي نثبت به فؤادك كل قص .

وأجازوا أن يكون كلاً نكرة بمعنى جميعاً ، وينتصب على الحال من المفعول الذي هو ما ، أو من المجرور الذي هو الضمير في به على مذهب من يجوز تقديم حال المجرور بالحرف عليه ، التقدير : ونقص عليك من أنباء الرسل الأشياء التي نثبت بها فؤادك جميعاً أي : المثبتة فؤادك جميعاً .

قال ابن عباس : نثبت نسكن ، وقال الضحاك : نشد ، وقال ابن جريج : نقوي .

وتثبيت الفؤاد هو بما جرى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاتباعهم المؤمنين ، وما لقوا من مكذبيهم من الأذى ، ففي هذا كله أسوة بهم ، إذ المشاركة في الأمور الصعبة تهون ما يلقى الإنسان من الأذى ، ثم الإعلام بما جرى على مكذبيهم من العقوبات المستأصلة بأنواع من العذاب من غرق وريح ورجفة وخسف ، وغير ذلك فيه طمأنينة للنفس ، وتأنيس بأنْ يصب الله من كذب الرسول صلى الله عليه وسلم بالعذاب ، كما جرى لمكذبي الرسل .

وإنباء له عليه الصلاة والسلام بحسن العاقبة له ولأتباعه ، كما اتفق للرسل وأتباعهم .

والإشارة بقوله : في هذه ، إلى أنباء الرسل التي قصها الله تعالى عليه ، أي النبأ الصدق الحق الذي هو مطابق بما جرى ليس فيه تغيير ولا تحريف ، كما ينقل شيئاً من ذلك المؤرخون .

وموعظة أي : اتعاظ وازدجار لسامعه ، وذكرى لمن آمن ، إذ الموعظة والذكرى لا ينتفع بها إلا المؤمن كقوله { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } وقوله : { سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى } وقال ابن عباس : الإشارة إلى السورة والآيات التي فيها تذكر قصص الأمم ، وهذا قول الجمهور .

ووجه تخصيص هذه السورة بوصفها بالحق ، والقرآن كله حق ، أنّ ذلك يتضمن معنى الوعيد للكفرة والتنبيه للناظر ، أي : جاءك في هذه السورة الحق الذي أصاب الأمم الظالمة .

وهذا كما يقال عند الشدائد : جاء الحق ، وإن كان الحق يأتي في غير شديدة وغير ما وجه ، ولا تستعمل في ذلك جاء الحق .

وقال الحسن وقتادة : الإشارة إلى دار الدنيا .

قال قتادة : والحق النبوة .

وقيل : إشارة إلى السورة مع نظائرها .