السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةٞ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (120)

ولما ذكر تعالى القصص الكثيرة في هذه السورة ذكر نوعين من الفائدة أوّلهما تثبيت الفؤاد بقوله تعالى : { وكلاً } ، أي : وكل نبأ { نقص عليك } وقوله تعالى : { من أنباء الرسل } ، أي : نخبرك به بيان لكل . وقوله تعالى : { ما نثبت به فؤادك } بدل من كلاً ، ومعنى تثبيت فؤاده : زيادة يقينه وطمأنينة قلبه وثبات نفسه على أداء الرسالة وعلى الصبر واحتمال الأذى ، وذلك لأنّ الإنسان إذا ابتلي بمحنة وبلية فإذا رأى له فيه مشاركاً خف ذلك على قلبه كما يقال : المصيبة إذا عمت خفت ، وإذا سمع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القصص وعلم أنّ حال جميع الأنبياء مع أتباعهم هكذا سهل عليه تحمل الأذى من قومه وأمكنه الصبر عليه .

الفائدة الثانية : قوله تعالى : { وجاءك في هذه الحق } ، أي : في السورة وعليه الأكثر ، أو في هذه الأنباء المقتصة فيها . وقال الحسن : في هذه الدنيا . قال الرازي : وهذا بعيد غير لائق بهذا الموضع ؛ لأنه لم يجر للدنيا ذكر حتى يعود الضمير لها . فإن قيل : قد جاءه الحق في غير هذه السورة بل القرآن كله حق وصدق ؟ أجيب : بأنه إنما خصها بالذكر تشريفاً لها { وموعظة وذكرى للمؤمنين } وخصهم بالذكر لانتفاعهم بذلك بخلاف الكفار ، فذكر تعالى أموراً ثلاثة : الحق والموعظة والذكرى ، أمّا الحق فهو إشارة إلى البراهين الدالة على التوحيد والعدل والنبوّة والمعاد ، وأمّا الموعظة فهي إشارة إلى السفر عن الدنيا وتقبيح أحوالها ، وأمّا الذكرى فهي إشارة إلى الإرشاد إلى الأعمال النافذة الصالحة في الدار الآخرة .