تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ وَجَآءَكَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَقُّ وَمَوۡعِظَةٞ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ} (120)

وقوله تعالى : ( وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ) تأويله ، والله أعلم ، كل الذي نقص عليك ، أو قصصنا عليك من أنباء الرسل [ نبأ ][ ساقطة من الأصل وم ] بعد نبإ ( ما نثبت به فؤادك ) .

قوله تعالى : ( ما نثبت به فؤادك ) يحتمل وجوها :

أحدها : ( نثبت به فؤادك ) لما يحتمل أن نفسه كانت تنازعه ، وتناقشه بأن الذي أنزل ، أو يأتي به ملك ، أو كان ذلك من إيحاء[ في الأصل وم : الجاء ] الشيطان وإلقائه عليه وساوسه ، فقص عليه من أنباء الرسل وأخبارهم ليكون له آية بينة [ بينه ][ ساقطة من الأصل وم ] وبين ربه ، ليعلم أن ما أنزل عليه إنما هو ملك من الله ليدفع به نوازع نفسه وخطراته ؛ إذ لا سبيل للشيطان إلى معرفة تلك الأنباء ، ولا في وسعه إلقاؤها عليه ، فيكون له بها طمأنينة قلبه ، وهو كقول إبراهيم حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( رب أرني كيف تحي الموتى قال ) الآية[ البقرة : 260 ] كانت نفس إبراهيم تنازعه في كيفية إحياء الموتى ، فسأل ربه ليريه ذلك ليطمئن بذلك قلبه ، وإن كان يعلم أنه يحي الموتى ، وأنه قادر على ذلك .

والثاني : قص عليه أنباء الرسل واحدا بعد واحد ليثبت به فؤاده ليعلم كيفية معاملتهم ، وماذا لقوا من قومهم وكيف صبروا على أذاهم ليصبر هو على ما صبر أولئك ، وليعامل هو قومه بمثل معاملتهم ؟

ويشبه أن يكون قوله : ( ما نثبت به فؤادك ) نبأ بعد نبإ لينظر ، ويتفكر [ في ][ ساقطة من الأصل وم ] كل نبإ وخبر ، ويعرف ما فيه ، فيكون ذلك أثبت في قلبه ، وهو كقوله : ( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك )[ الفرقان : 32 ] بإنزال الآيات[ في الأصل وم : الآية ] واحدة بعد واحدة سورة بعد سورة . وذلك أثبت في فؤادك من إنزاله جملة لأنه يزدحم في مسامعه وفؤاده . وإذا كان بالتفاريق نظر وتفكر فهو أثبت في قلبه وفؤاده ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وجاءك في هذه الحق ) قال بعضهم : ( وجاءك في هذه ) أي في هذه الأنباء التي قصها عليك ؛ جاءك فيها ( الحق ) وهو ما ذكرنا . وقال بعضهم : ( وجاءك في هذه ) أي في هذه الدنيا ( الحق ) يعني الآيات والحجج والبراهين لرسالته ودينه ( وموعظة وذكرى للمؤمنين ) أي جاءك ما تعظ به قومك وتذكر به المؤمنين .

وقوله تعالى : ( وموعظة وذكرى للمؤمنين ) خص المؤمنين بذلك لما تكون منفعة الموعظة والذكرى[ من م ، في الأصل : وذكرى ] للمؤمنين ، وإلا فهو موعظة وذكر للكل .