في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضۡلَلۡنَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنۡ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (36)

28

يدعو إبراهيم دعوته هذه لما شهده وعلمه من كثرة من ضلوا بهذه الأصنام من الناس في جيله وفي الأجيال التي قبله ؛ ومن فتنوا بها ومن افتتنوا وهم خلق كثير :

( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) . .

ثم يتابع الدعاء . . فأما من تبع طريقي فلم يفتتن بها فهو مني ، ينتسب إلى ويلتقي معي في الآصرة الكبرى ، آصرة العقيدة :

( فمن تبعني فإنه مني ) . .

وأما من عصاني منهم فأفوض أمره إليك :

( ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) . .

وفي هذا تبدو سمة إبراهيم العطوف الرحيم الأواه الحليم ؛ فهو لا يطلب الهلاك لمن يعصيه من نسله ويحيد عن طريقه ، ولا يستعجل لهم العذاب ؛ بل لا يذكر العذاب ، إنما يكلهم إلى غفران الله ورحمته . ويلقي على الجو ظلال المغفرة والرحمة ؛ وتحت هذا الظل يتوارى ظل المعصية ؛ فلا يكشف عنه إبراهيم الرحيم الحليم !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضۡلَلۡنَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنۡ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (36)

{ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس } فلذلك سألت منك العصمة واستعذت بك من إضلالهن ، وإسناد الإضلال إليهن باعتبار السببية كقوله تعالى : { وغرتهم الحياة الدنيا } . { فمن تبعني } على ديني . { فإنه منّي } أي بعضي لا ينفك عني في أمر الدين . { ومن عصاني فإنك غفور رحيم } تقدر أن تغفر له وترحمه ابتداء ، أو بعد التوفيق للتوبة . وفيه دليل على أن كل ذنب فللّه أن يغفره حتى الشرك إلا أن الوعيد فرق بينه وبين غيره .