السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضۡلَلۡنَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنۡ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (36)

ثم حكى الله تعالى عن إبراهيم أنه قال : { رب إنهن } ، أي : الأصنام { أضللن كثيراً من الناس } بعبادتهم لها .

تنبيه : اتفق كل الفرق على أن قوله : أضللن مجاز ؛ لأنها جمادات ، والجماد لا يفعل شيئاً البتة إلا أنه لما حصل عند عبادتها أضيف إليها كما تقول : فتنتهم الدنيا وغرّتهم ، أي : افتتنوا بها واغتروا بسببها ثم قال : { فمن تبعني } ، أي : على التوحيد { فإنه مني } ، أي : فإنه جار مجرى بعضي لفرط اختصاصه وقربه مني { ومن عصاني } ، أي : في غير الدين { فإنك غفور رحيم } وهذا صريح في طلب الرحمة والمغفرة لأولئك العصاة ، وإذا ثبت حصول هذه الشفاعة في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثبت حصولها في حق محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه مأمور بالإقتداء به كما قال تعالى : { واتبع ملة إبراهيم } [ النساء ، 125 ] وقيل : إنّ هذا الدعاء كان قبل أن يعلم إبراهيم أنّ الله لا يغفر الشرك ، وقيل : إنك قادر أن تغفر له وترحمه بأن تنقله عن الكفر إلى الإسلام ، وقيل : المراد من هذه المغفرة أن لا يعاجلهم بالعقاب ، فلا يمهلهم حتى يتوبوا ، قال الرازي : واعلم أنّ هذه الأوجه ضعيفة ، وارتضى ما تقرّر أولاً .

تنبيه : حكى الله سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه السلام في هذا الموضع أنه طلب من الله تعالى سبعة أمور : الأوّل : طلب من الله تعالى نعمة الأمان ، وهو { رب اجعل هذا البلد آمناً } المطلوب الثاني : أن يرزقه الله تعالى التوحيد ويصونه عن الشرك وهو قوله : { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } .