اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضۡلَلۡنَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنۡ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (36)

قوله : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً } الضمير في : " إنَّهُنَّ " و " أضْلَلْنَ " عائد على الأصنام ، لأنها جمع تكسير غير عاقل .

وقوله : { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } أي : من أشياعي ، وأهل ديني .

وقوله { وَمَنْ عَصَانِي } شرط ، ومحل " مَنْ " الرفع بالابتداء ، الجواب : { فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والعائد محذوف ، أي : له .

فصل

قال السديُّ : ومن عصاني ثمَّ تاب{[19308]} . وقال مقاتلٌ : { وَمَنْ عَصَانِي } فيما دون الشرك{[19309]} .

وقيل : قال ذلك قبل أن يعلمه الله أنَّهُ لا يغفر الشرك ، وهذه الآية تدلُّ على إثبات الشَّفاعة في أهل الكبائر ؛ لأنَّه طلب المغفرة ، والرَّحمة لأولئك العصاة ، ولا تخلو هذه الشفاعة من أن تكون للكفار [ أو للعصاة ، ولا يجوز أن تكون للكفار ]{[19310]} ؛ لأنه تبرَّأ منهم بقوله : { واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام } .

وقوله : { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } فإنه يدلُّ بمفهومه على أنَّ من لم يتعبه على دينه ، فليس منه ، والأمة مجتمعة على أنَّ الشفاعة في حق الكفَّار غير جائزة ؛ فثبت أن قوله : { وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } شفاعة في العصاة غير الكفَّار .

وتلك المعصية : إمَّا أن تكون من الصغائر ، أو من الكبائر بعد التَّوبة [ أو من الكبائر قبل التوبة ، والأول والثاني بطلان ؛ لأن وقوله : { وَمَنْ عَصَانِي } اللفظ فيه مطلق ، فتخصيصه بالصغيرة عدول عن الظاهر ، وأيضاً فالصغائر والكبائر بعد التوبة ]{[19311]} وجبة الغفران عند الخصوم ، فلا يمكن حمل اللفظ عليه ، فثبت أنَّ هذه الشفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر قبل التَّوبة .

وإذا ثبت حصول الشفاعة لإبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- ثبت حصولها لمحمَّد -عليه أفضل الصلاة والسلام- لأنه لا قائل بالفرق ، ولأنََّ الشفاعة أعلى المناصب ، فلو حصلت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام- مع أنَّها لم تحصل لمحمَّد صلى الله عليه وسلم كان ذلك نقصاً في حقِّ محمدٍ -صلوات الله وسلامه عليه- .


[19308]:ذكره البغوي في تفسيره (3/37).
[19309]:ينظر: المصدر السابق.
[19310]:سقط من ب.
[19311]:سقط من ب.