الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضۡلَلۡنَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنۡ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (36)

ثم قال تعالى ذكره {[37343]} : { رب إنهن أضللن كثيرا من الناس }[ 36 ] : أي إن الأصنام أضللن كثيرا من الناس عن طريق الهدى والحق ، حتى عبدوهن فكفروا بك {[37344]} . وأضاف الفعل إلى الأصنام على ما تعرف العرب من مخاطبتها . يقول العرب : أفتنتني الدار ، والمعنى : استحسنتها {[37345]} .

فالمعنى : إنه افتتن ( كثير ) {[37346]} من الناس بهن ، أي : استحسنهن كثير {[37347]} من الناس ، أي : استحسن عبادتهن كثير منهم .

{ فمن تبعني فإنه مني }[ 36 ] ، أي : من تبع ما أنا عليه من الإيمان بالله ، ( عز وجل ) وإخلاص العبادة ( له فهو مني ) {[37348]} : أي : من أهل ديني {[37349]} .

{ ومن عصاني } فخالف أمري { فإنه غفور } لذنوب المذنبين . أي : ستار لها {[37350]} إذا تابوا منها بالإيمان . وهذا قريب من قول عيسى صلى الله عليه وسلم {[37351]} :

{ إن تعذبهم فإنهم عبادك } {[37352]} – الآية - {[37353]} : أي : إن تغفر لهم ذنوبهم بعد توبتهم وإيمانهم . ( وفي ) {[37354]} ذلك أقوال غير هذا ، قد ذكرتها في المائدة {[37355]} .

وغير جائز أن يتأول أحد أن المغفرة ترجى لمن مات على كفره ، لقوله : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } {[37356]} ، ولقوله :

{ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا } – الآية – {[37357]} وهو كثير في القرآن {[37358]} ، فلا ييأس {[37359]} من مغفرة الله لعبد {[37360]} مع الإيمان ، ولا ترجى مغفرة لعبد من الكفر .

وقوله : رحيم {[37361]} : أي : رحيم بعبادك {[37362]} إذا آمنوا قبل موتهم {[37363]} .


[37343]:ساقط من ط.
[37344]:انظر: هذا التوجيه في: جامع البيان 13/228.
[37345]:وهو قول الزجاج في: معانيه 3/164. في النسختين معا كثيرا وهو خطأ.
[37346]:ساقط من ط.
[37347]:ق: كثيرا.
[37348]:ساقط من ق.
[37349]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 13/228، وإعراب النحاس 2/371، والجامع 9/241.
[37350]:ق: لهم.
[37351]:ط: صم.
[37352]:ط: وإن تغفر لهم، فإنك أنت العزيز الحكيم.
[37353]:المائدة: 120.
[37354]:ساقط من ط.
[37355]:انظر: تحقيق سورة المائدة 1/282-283.
[37356]:النساء: 47 و115.
[37357]:آل عمران: 90.
[37358]:كقوله تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله} البقرة 161، وقوله: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم} محمد 34.
[37359]:في النسختين معا: يويس.
[37360]:ط: لعبده.
[37361]:ط: مطموس.
[37362]:ط: بعبادة.
[37363]:انظر: الجامع 9/242.