لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضۡلَلۡنَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنۡ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (36)

وقوله تعالى { رب إنهن } يعني الأصنام { أضللن كثيراً من الناس } وهذا مجاز لأن الأصنام جمادات ، وحجارة لا تعقل شيئاً حتى تضل من عبدها إلا أنه لما حصل الإضلال بعبادتها أضيف إليها كما تقول : فتنتهم الدنيا وغرتهم وإنما فتنوا بها واغتروا بسببها { فمن تبعني فإنه مني } يعني فمن تبعني على ديني واعتقادي ، فإنه مني يعني المتدينين بديني المتمسكين بحبلي كما قال الشاعر :

إذا حاولت في أسد فجوراً***فإني لست منك ولست مني

أراد ولست من المتمسكين بحبلي ، وقيل : معناه أنه مني حكمه حكمي جار مجراي في القرب والاختصاص { ومن عصاني } يعني في غير الدين { فإنك غفور رحيم } قال السدي : ومن عصاني ثم تاب فإنك غفور رحيم . وقال مقاتل : ومن عصاني فيما دون الشرك فإنك غفور رحيم . وشرح أبو بكر بن الأنباري هذا فقال : ومن عصاني فخالفني في بعض الشرائع وعقائد التوحيد فإنك غفور رحيم إن شئت أن تغفر له غفرت إذا كان مسلماً وذكر وجهين آخرين أحدهما أن هذا كان قبل أن يعلمه الله أنه لا يغفر الشرك كما استغفر لأبويه ، وهو يقول أن ذلك غير محظور ، فلما عرف أنهما غير مغفور لهما تبرأ منهما ، والوجه الآخر ومن عصاني بإقامته على الكفر فإنك غفور رحيم يعني أنك قادر على أن تغفر له وترحمه بأن تنقله من الكفر إلى الإيمان ، والإسلام وتهديه إلى الصواب .