في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (150)

138

كل ذلك وموسى - عليه السلام - بين يدي ربه ، في مناجاة وكلام ، لا يدري ما أحدث القوم بعده . . إلا أن ينبئه ربه . . وهنا يرفع الستار عن المشهد الحادي عشر :

( ولما رجع موسى الى قومه غضبان أسفاً . قال : بئسما خلفتموني من بعدي ! أعجلتم أمر ربكم ؟ وألقى الألواح ، وأخذ برأس أخيه يجره إليه . قال : ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني . فلا تشمت بي الأعداء ، ولا تجعلني مع القوم الظالمين . قال : رب اغفر لي ولأخي ، وأدخلنا في رحمتك ، وأنت أرحم الراحمين ) . .

لقد عاد موسى الى قومه غضبان أشد الغضب . يبدو انفعال الغضب في قوله وفعله . . يبدو في قوله لقومه :

( بئسما خلفتموني من بعدي ! أعجلتم أمر ربكم ؟ ) . .

ويبدو في فعله إذ يأخذ برأس أخيه يجره إليه ويعنفه .

( وأخذ برأس أخيه يجره إليه ! ) . .

وحق لموسى عليه السلام أن يغضب فالمفاجأة قاسية . والنقلة بعيدة :

( بئسما خلفتموني من بعدي ) . .

تركتكم على الهدى فخلفتموني بالضلال ، وتركتكم على عبادة الله فخلفتموني بعبادة عجل جسد له خوار !

( أعجلتم أمر ربكم ؟ ) . .

أي استعجلتم قضاءه وعقابه ! أو ربما كان يعني : استعجلتم موعده وميقاته !

( وألقى الألواح ، وأخذ برأس أخيه يجره إليه ) . .

وهي حركة تدل على شدة الانفعال . . فهذه الألواح هي التي كانت تحمل كلمات ربه . وهو لا يلقيها إلا وقد أفقده الغضب زمام نفسه . وكذلك أخذه برأس أخيه يجره إليه . وأخوه هو هارون العبد الصالح الطيب !

فأما هارون فيستجيش في نفس موسى عاطفة الأخوة الرحيمة ، ليسكن من غضبه ، ويكشف له عن طبيعة موقفه ، وأنه لم يقصر في نصح القوم ومحاولة هدايتهم :

( قال : ابن أم ، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ! ) . .

وهنا ندرك كيف كان القوم في هياجهم واندفاعهم الى العجل الذهب ؛ حتى لهموا بهارون إذ حاول ردهم عن التردي والانتكاس :

ابن أم . . بهذا النداء الرقيق وبهذه الوشيجة الرحيمة .

( إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) . . بهذا البيان المصور لحقيقة موقفه .

( فلا تشمت بي الأعداء ) . . وهذه أخرى يستجيش بها هارون وجدان الأخوة الناصرة المعينة ، حين يكون هناك الأعداء الذين يشمتون !

( ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) . .

القوم الذين ضلوا وكفروا بربهم الحق ، فأنا لم أضل ولم أكفر معهم ، وأنا بريء منهم !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (150)

{ ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا } شديد الغضب وقيل حزينا . { قال بئسما خلفتموني من بعدي } فعلتم بعدي حيث عبدتم العجل ، والخطاب للعبدة أو أقمتم مقامي فلم تكفوا العبدة والخطاب لهارون والمؤمنين معه ! وما نكرة موصوفة تفسر المستكن في بئس والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم ، ومعنى من بعدي من بعد انطلاقي ، أو من بعد ما رأيتم مني من التوحيد والتنزيه والحمل عليه والكف عما ينافيه . { أعجلتم أمر ربكم } أتركتموه غير تام ، كأنه ضمن عجل معنى سبق فعدى تعديته ، أو أعجلتم وعد ربكم الذي وعدنيه من الأربعين وقدرتم موتي وغيرتم بعدي كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم . { وألقى الألواح } طرحها من شدة الغضب وفرط الضجر حمية للدين . روي : أن التوراة كانت سبعة أسباع في سبعة ألواح فلما ألقاها انكسرت فرفع ستة أسباعها وكان فيها تفصيل كل شيء وبقي سبع كان فيه المواعظ والأحكام . { وأخذ برأس أخيه } بشعر رأسه . { يجرّه إليه } توهما بأنه قصر في كفهم ، وهارون كان أكبر منه بثلاث سنين وكان حمولا لينا ولذلك كان أحب إلى بني إسرائيل . { قال ابن أمّ } ذكر الأم ليرققه عليه وكانا من أب وأم . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم هنا وفي " طه " " يا ابن أم " بالكسر وأصله يا ابن أمي فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة تخفيفا كالمنادى المضاف إلى الياء ، والباقون بالفتح زيادة في التخفيف لطوله أو تشبيها بخمسة عشر . { إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني } إزاحة لتوهم التقصير في حقه ، والمعنى بذلت وسعي في كفهم حتى قهروني واستضعفوني وقاربوا قتلي . { فلا تُشمت بي الأعداء } فلا تفعل بي ما يشمتون بي لأجله . { ولا تجعلني مع القوم الظالمين } معدودا في عدادهم بالمؤاخذة أو نسبة التقصير .