في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

ثم يلوح ببعض ما قدر الله للمؤمنين ، مخالفا لظن المخلفين . بأسلوب يوحي بأنه قريب :

( سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها : ذرونا نتبعكم . يريدون أن يبدلوا كلام الله . قل : لن تتبعونا . كذلكم قال الله من قبل . فسيقولون : بل تحسدوننا . بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا ) . .

أغلب المفسرين يرون أنها إشارة إلى فتح خيبر . وقد يكون هذا . ولكن النص يظل له إيحاؤه ولو لم يكن نصا في خيبر . فهو يوحي بأن المسلمين سيفتح عليهم فتح قريب يسير . وأن هؤلاء المخلفين سيدركون هذا ، فيقولون : ( ذرونا نتبعكم ) . .

ولعل الذي جعل المفسرين يخصصون خيبر ، أنها كانت بعد قليل من صلح الحديبية . إذ كانت في المحرم من سنة سبع . بعد أقل من شهرين من صلح الحديبية . وأنها كانت وافرة الغنائم . وكانت حصون خيبر آخر ما بقي لليهود في الجزيرة من مراكز قوية غنية . وكان قد لجأ إليها بعض بني النضير وبني قريظة ممن أجلوا عن الجزيرة من قبل .

وتتواتر أقوال المفسرين أن الله وعد أصحاب البيعة في الحديبية أن تكون مغانم خيبر لهم لا يشركهم فيها أحد . ولم أجد في هذا نصا . ولعلهم يأخذون هذا مما وقع فعلا . فقد جعلها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في أصحاب الحديبية ، ولم يأخذ معه أحدا غيرهم .

وعلى أية حال فقد أمر الله نبيه أن يرد المخلفين من الأعراب إذا عرضوا الخروج للغنائم الميسرة القريبة . وقرر أن خروجهم مخالف لأمر الله وأخبر نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] أنهم سيقولون إذا منعوا من الخروج : ( بل تحسدوننا ) . . فتمنعوننا من الخروج لتحرمونا من الغنيمة . ثم قرر أن قولهم هذا ناشيء عن قلة فقههم لحكمة الله وتقديره . فجزاء المتخلفين الطامعين أن يحرموا ، وجزاء الطائعين المتجردين أن يعطوا من فضل الله ، وأن يختصوا بالمغنم حين يقدره الله ، جزاء اختصاصهم بالطاعة والإقدام ، يوم كانوا لا يتوقعون إلا الشدة في الجهاد .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

شرح الكلمات :

{ المخلفون من الأعراب } : أي المذكورون في الآيات قبل هذه وهم غفار وجهينة ومزينة وأشجع .

{ إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها } : أي مغانم خيبر إذا وعدهم الله بها عند رجوعهم من الحديبية .

{ ذرونا نتبعكم } : أي دعونا نخرج معكم لنصيب من الغنائم .

{ يريدون أن يبدلوا كلام الله } : أي أنهم يطلبهم الخروج إلى خيبر لأخذ الغنائم يريدون أن يغيروا وعد الله لأهل الحديبية خاصة بغنائم خيبر .

{ كذلك قال الله من قبل } : أي قاله تعالى لنا قبل عودتنا إلى المدينة فلن تتبعونا ولن تخرجوا معنا .

{ فسيقولون بل تحسدوننا } : أي فسيقولون بل تحسدوننا وفعلا فقد قالوا ذلك وزعموا انه ليس أمرا من الله هذا المنع ، وإنما هو من الرسول والمؤمنين حسداً لهم ، وهذا دال على نفاقهم وكفرهم والعياذ بالله .

{ بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } : أي لا يفهمون فهم الحاذق الماهر إلا قليلا وفي أمور الدنيا لا غير .

المعنى :

ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين من الحضر والبادية وذلك بالحديث عنهم وكشف عوارهم ودعوتهم إلى التوبة والرجوع إلى الحق عند ظهور انحرافهم وسوء أحوالهم فقال تعالى لرسوله . سيقول المخلفون الذي تقدم الحديث عنهم وأنهم تخلفوا عن الحديبية من الأعراب الذين هم مزينة وجهينة وغفار وأشجع . أي سيقولون لكم إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، وذلك أن الله تعالى بعد صلح الحديبية وما نال أهلها من آلام نفسيّة أكرمهم بنعم كثيرة منها انه واعدهم بغنائم خيبر بأن يتم لهم فتحها ويغنمهم أموالها وكانت أموالاً عظيمة ، فلما عادوا إلى المدينة وأعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخروج إلى خيبر جاء هؤلاء المخلفون يطالبون بالسير معهم لأجل الغنيمة لا غير ، قال تعالى { يريدون أن يبدلوا كلام الله } وهو وعده لأهل الحديبية بأن يُغنمهم غنائم خيبر ، ولذا أمر رسوله أن يقول لهم لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل أي فقد أخبرنا تعالى بحالكم ومقالكم هذا قبل أن تقولوه وتكنوا عليه . وقوله { فسيقولون بل تحسدوننا } هذا من جملة ما أخبر تعالى به رسوله والمؤمنين قبل قولهم له وق قالوه أي ما منعتمونا من الخروج إلى خيبر إلا حسداً لنا أن ننال من الغنائم أي لم يكن الله أمركم بمنعنا ولكن الحسد هو الذي أمركم وقوله تعالى بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا أي وصمهم بوصمة الجهل وجعلها هي علة تخبطهم وحيرتهم وضلالهم ، إنهم قليلوا الفهم والإِدراك فليسوا على مستوى الرجل الحاذق الماهر البصير الذي يحسن القول والعمل .

الهداية :

من الهداية :

- وعد الله رسوله والمؤمنين بغنائم خيبر وهم في طريقهم من الحديبية إلى المدينة وانجازه لهم دال على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته وكلها موجبة للإِيمان والتوحيد وحب الله والرغبة إليه والرهبة منه .

- بيان حيرة الكافر واضطراب نفسه وتخبط قوله وعمله .

- ذم الجهل وتقبيحه إنه بئس الوصف يوصف به المرء ، ولذا لا يرضاه حتى الجاهل لنفسه فلو قلت لجاهل يا جاهل لا تفعل كذا أو لا تقل كذا الغضب عليك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

قوله تعالى : { ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا* ولله الملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما* سيقول المخلفون } يعني هؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية ، { إذا انطلقتم } سرتم وذهبتم أيها المؤمنون { إلى مغانم لتأخذوها } يعني غنائم خيبر ، { ذرونا نتبعكم } إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها ، وذلك أنهم لما انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر وجعل غنائمهما لمن شهد الحديبية خاصة عوضاً عن غنائم أهل مكة إذا انصرفوا عنهم على صلح ولم يصيبوا منهم شيئاً . قال الله تعالى : { يريدون أن يبدلوا كلام الله } قرأ حمزة والكسائي : ( كلم الله ) بغير ألف جمع كلمة ، وقرأ الآخرون : ( كلام الله ) ، يريدون أن يغيروا مواعيد الله تعالى لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة . وقال مقاتل : يعني أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يسير معه منهم أحد . وقال ابن زيد : هو قول الله عز وجل : { فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً } ( التوبة-83 ) ، والأول أصوب ، وعليه عامة أهل التأويل . { قل لن تتبعونا } إلى خيبر ، { كذلكم قال الله من قبل } أي : من قبل مرجعنا إليكم إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب ، { فسيقولون بل تحسدوننا } أي : يمنعكم الحسد من أن نصيب معكم الغنائم ، { بل كانوا لا يفقهون } لا يعلمون عن الله ما لهم وعليهم من الدين ، { إلا قليلاً } منهم وهو من صدق الله والرسول .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (15)

قوله تعالى : { سيقول المخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } .

المراد بالمغانم ههنا ، مغانم خيبر ، لأن الله ( جل وعلا ) قد وعد أهل الحديبية فتح خيبر وانها لهم خاصة سواء فيهم الغائب أو الحاضر . ولم يغب منهم عن خيبر سوى جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضر . والمعنى : سيقول لكم المخلفون عند انطلاقكم إلى خيبر لتفتحوها وتأخذوا مغانمها { ذرونا نتّبعكم } أي دعونا أو اتركونا نتبعكم ونشهد معكم غزوة خيبر . وكانوا من قبل قد تخلفوا عن الخروج إلى مكة والاستعداد للقاء المشركين .

قوله : { يريدون أن يبدلوا كلام الله } يعني يريد هؤلاء المخلفون المنافقون أن يغيروا وعد الله الذي وعده أهل الحديبية دون غيرهم . وذلك أن الله جعل غنائم خيبر لهم خاصة .

قوله : { قل لن تتبعونا } وهذا النفي في معنى النهي ، فقد منعهم الله من الخروج إلى خيبر ، أي : قل لهؤلاء المخلفين لن تتبعونا إلى خيبر إذا ذهبنا لقتالهم { قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل } أي مثل ذلك القول قال الله لنا من قبل أن نرجع إليكم من الحديبية . وهو أن غنيمة خيبر لمن شهد معنا الحديبية خاصة ، ولستم أنتم ممن شهدها .

قوله : { فسيقولون بل تحسدوننا } أي سيقول المخلفون عن الخروج ليس ذلك بقول الله كما تزعمون . بل ما يمنعكم من الإذن لنا بالخروج معكم إلا حسدكم لنا كيلا يكون لنا معكم في الغنائم نصيب .

قوله : { بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا } وذلك رد لزعمهم الباطل ، فهم لا يعلمون من الحقيقة أو من دين الله إلا يسيرا .