هذا طرف من الخصومة فأما الطرف الآخر فهو الذي جاء بالصدق من عند الله . وصدق به فبلغه عن عقيدة واقتناع . ويشترك مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في هذه الصفة كل الرسل قبله . كما يشاركه فيها كل
من دعا إلى هذا الصدق وهو مقتنع به مؤمن بأنه الحق ، يشارك قلبه لسانه فيما يدعو إليه . . ( أولئك هم المتقون ) . .
{ والذي جاء بالصدق وصدَّق به } : محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به أبو بكر وكل أصحاب رسول الله .
{ أولئك هم المتقون } : أي لعذاب الله بإِيمانهم وتقواهم بترك الشرك والمعاصي .
قوله تعالى : { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون } هذا إخبار بفريق الفائزين من عباد الله وهم الصادقون في كل يخبرون به ، والمصدقون بما أوجب الله تعالى التصديق به ويدخل في هذا الفريق دخولا أولياً رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق ثم سائر الصحابة والمؤمنين إلى يوم الدين .
وقوله تعالى : { أولئك هم المتقون } يشير إليهم بأنهم اتقوا كل ما يغضب الله من الشرك والمعاصي ، وبذلك استوجبوا النجاة من النار ودخول الجنة المعبر عنه بقوله تعالى : { لهم ما يشاءون عند ربهم } .
1- الترغيب في الصِّدق في الاعتقادات والأقوال والأعمال .
2- فضل التقوى والإِحسان وبيان جزائهما عند الله تعالى يوم القيامة
ولما ذكر الكاذب المكذب وجنايته وعقوبته ، ذكر الصادق المصدق وثوابه ، فقال : { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } في قوله وعمله ، فدخل في ذلك الأنبياء ومن قام مقامهم ، ممن صدق فيما قاله عن خبر اللّه وأحكامه ، وفيما فعله من خصال الصدق .
{ وَصَدَّقَ بِهِ } أي : بالصدق لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق ، ولكن قد لا يصدق به ، بسبب استكباره ، أو احتقاره لمن قاله وأتى به ، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق ، فصدقه يدل على علمه وعدله ، وتصديقه يدل على تواضعه وعدم استكباره .
{ أُولَئِكَ } أي : الذين وفقوا للجمع بين الأمرين { هُمُ الْمُتَّقُونَ } فإن جميع خصال التقوى ترجع إلى الصدق بالحق والتصديق به .
ولما ذكر سبحانه الظالمين بالكذب ذكر أضدادهم الذين يخاصمونهم عند ربهم وهم المحسنون بالصدق فقال : { والذي } أي الفريق الذي { جاء بالصدق } أي الخبر المطابق للواقع ، فصدق على الله ، وتعريفه يدل على كماله ، فيشير إلى أن الإتيان به ديدنه لا يتعمد كذباً { وصدق به } أي بكل صدق سمعه وقام عليه الدليل ، وليس هو بجموده عدو ما لم يعلم ، فهو يكذب بكل ما لم يسمع ، فمن أعدل منه لكونه صدق على الله وصدق بالصدق إذ جاءه واستمر عليه ، ولعله أفرد الضمير إشارة إلى قلة الموصوف بهذا الوصف من الصدق ، وهذا الفريق هو الرسل وأتباعهم ، ولذلك حصر التقوى فيهم ، فقال مشيراً بالجمع إلى عظمتهم وإن كانوا قليلاً : { أولئك } أي العالو الترتبة { هم } أي خاصة { المتقون * } الذين جانبوا الظلم ، فليس لجهنم عليهم سبيل ، ولا لهم فيها منزل ولا مقيل ، بل الجنة منزلهم ، أليس في الجنة منزل للمتقين ؟ فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً المثوى في جهنم دليلاً على حذف ضده ثانياً ، والاتقاء ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً ، وسره أنه ذكر أنكأ ما للمجرم من الكفر وسوء الجزاء . وأسرّ ما للمسلم من قصر التقوى عليه ، وذكر أحب جزائه إليه ، والإشارة إلى عراقته في الإحسان ، وفي الآيات احتباك آخر وهو أنه ذكر الكذب والتكذيب أولاً دليلاً على الصدق والتصديق ثانياً ، والاتقاء وجزاءه وما يتبعه ثانياً دليلاً على ضده أولاً ، وسره أنه ذكر في شق المسيء أنكأ ما يكون من الكذب والتكذيب في أقبح مواضعه ، ولا سيما عند العرب ، وأسر ما يكون في شق المحسن من استقامة الطبع وحسن الجزاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.