في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

ثم ماذا ? ثم ها هم أولاء يفتقدون المؤمنين ، الذين كانوا يتعالون عليهم في الدنيا ، ويظنون بهم شراً ، ويسخرون من دعواهم في النعيم . ها هم أولاء يفتقدونهم فلا يرونهم معهم مقتحمين في النار ، فيتساءلون : أين هم ? أين ذهبوا ? أم تراهم هنا ولكن زاغت عنهم أبصارنا ? : وقالوا : ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخرياً ? أم زاغت عنهم الأبصار ? . . بينما هؤلاء الرجال الذين يتساءلون عنهم هناك في الجنان !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

{ وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ } هذا إخبار عن الكفار في النار أنهم يفقدون رجالا كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة وهم المؤمنون في زعمهم قالوا : ما لنا لا نراهم معنا في النار ؟ .

قال مجاهد : هذا قول أبي جهل يقول : ما لي لا أرى بلالا وعمارا وصهيبا وفلانا وفلانا . وهذا مثل ضرب ، وإلا فكل الكفار هذا حالهم : يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار فلما دخل الكفار النار افتقدوهم فلم يجدوهم فقالوا : { مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ } أي : في الدنيا { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ } يسلون أنفسهم بالمحال يقولون : أو لعلهم معنا في جهنم ولكن لم يقع بصرنا عليهم . فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات وهو قوله : { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } إلى قوله : { [ وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ . أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ] ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } [ الأعراف : 44 - 49 ] .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم { أَتَّخَذْناهُم } بهمزة قطع هي همزة الاستفهام ، وحذفت همزة الوصل من فعل ( اتخذنا ) لأنها لا تثبت مع همزة الاستفهام لعدم صحة الوقف على همزة الاستفهام ، فجملة { أتخذناهم } بدل من جملة { ما لنا لا نرى رِجالاً } . و { أم } حرف إضراب ، والتقدير : بل زاغت عنهم أبصارنا .

والزيغ : الميل عن الجهة ، أي مالت أبصارنا عن جهتهم فلم تنظرهم .

و ( أل ) في { الأبْصَارُ } عوض عن المضاف إليه ، أي أبصارنا ، فيكون المعنى : أكان تحقيرنا إياهم في الدنيا خطأ . وكنّى عنه باتخاذهم سخرياً لأن في فعل { أتخذناهم } إيماء إلى أنهم ليسوا بأهل للسخرية ، وهذا تندم منهم على الاستسخار بهم .

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف { أتخَذْناهُم } بهمزة وصل على أن الجملة صفة { رِجَالاً } ثانية وعليه تكون { أم منقطعة للإِضراب عن قولهم اتخذناهم سِخرياً } أي بل زاغت عنهم الأبصار .

والسخريَّ : اسم مصدر سَخِر منه ، إذا استهزأ به ، فالسخريُّ الاستهزاء ، وهو دال على شدة الاستهزاء لأن ياءَه في الأصل ياء نسب وياء النسب تأتي للمبالغة في الوصف . وقرأ نافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف بضم السين . وقرأه الباقون بكسر السين كما تقدم في سورة المؤمنين .