في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ} (30)

11

ويقوم عليها حراس عدتهم : ( تسعة عشر ) . . لا ندري أهم أفراد من الملائكة الغلاظ الشداد ، أم صفوف أم أنواع من الملائكة وصنوف . إنما هو خبر من الله سندري شأنه فيما يجيء . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ} (30)

وقوله : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } أي : من مقدمي الزبانية ، عظيم خلقهم ، غليظ خلقهم .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا ابن أبي زائدة ، أخبرني حريث ، عن عامر ، عن البراء في قوله : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } قال إن رهطا من اليهود سألوا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خزنة جهنم . فقال : الله ورسوله أعلم . فجاء رجل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل عليه ساعتئذ : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } فأخبر أصحابه وقال : " ادعهم ، أما إني سائلهم عن تُربَة الجنة إن أتوني ، أما إنها{[29497]} دَرْمكة بيضاء " . فجاؤوه فسألوه عن خزنة جهنم ، فأهوى بأصابع كفيه مرتين وأمسك الإبهام في الثانية ، ثم قال : " أخبروني عن تربة الجنة " . فقالوا : أخبرهم يا ابن سلام . فقال : كأنها خُبزَة بيضاء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إن الخبز إنما يكون من الدّرمَك " . {[29498]}

هكذا وقع عند ابن أبي حاتم عن البراء ، والمشهور عن جابر بن عبد الله ، كما قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا منده ، حدثنا أحمد بن عَبدَة ، أخبرنا سفيان ويحيى بن حكيم ، حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر بن عبد الله قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، غلبَ أصحابك اليوم . فقال : " بأي شيء ؟ " قال : سألتهم يَهُود هل أعلمكم نبيكم عدة خزنة أهل النار ؟ قالوا : لا نعلم حتى نسأل نبينا صلى الله عليه وسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفغلب قوم سُئلوا عما لا يدرون فقالوا : لا ندرى{[29499]} حتى نسأل نبينا ؟ عليَّ بأعداء الله ، لكن سألوا{[29500]} نبيهم أن يريهم الله جهرة " . فأرسل إليهم فدعاهم . قالوا : يا أبا القاسم ، كم عدد خزنة أهل النار ؟ قال : " هكذا " ، وطبق كفيه ، ثم طبق كفيه ، مرتين ، وعقد واحدة ، وقال لأصحابه : " إن سئلتم عن تربة الجنة فهي الدَّرمك " . فلما سألوه فأخبرهم بعدة خزنة أهل النار ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تربة الجنة ؟ " فنظر بعضهم إلى بعض ، فقالوا : خبزة يا أبا القاسم . فقال : " الخبز من الدَّرمك " .

وهكذا رواه الترمذي عند هذه الآية عن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، به{[29501]} وقال هو والبزار :

لا نعرفه{[29502]} إلا من حديث مجالد . وقد رواه الإمام أحمد ، عن علي بن المديني ، عن سفيان ، فقص الدرمك فقط . {[29503]}


[29497]:- (1) في م: "إنها كأنها".
[29498]:- (2) ورواه البيهقي في البعث برقم (509) من طريق مسروق بن المرزبان، عن ابن أبي زائدة به، وقال: "حديث ابن أبي مطر - أي حريث - ليس بالقوى، وحديث جابر أصح" وهو الآتي بعده.
[29499]:- (3) في م: "قالوا لا نعلم".
[29500]:- (4) في م، أ: "لكنهم قد سألوا".
[29501]:- (5) سنن الترمذي برقم (3327).
[29502]:- (1) في م: "لا يعرف".
[29503]:- (2) المسند (3/361).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ} (30)

وقوله تعالى : { عليها تسعة عشر } ابتداء وخبره مقدم في المجرور ، ولا خلاف بين العلماء أنهم خزنة جهنم المحيطون بأمرها الذين إليهم جماع أمر زبانيتها ، وقد قال بعض الناس : إنهم على عدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم لأن بها تقووا ، وروي أن قريشاً لما سمعت هذا كثر إلغاطهم{[11430]} فيه وقالوا : لو كان هذا حقاً ، فإن هذا العدد قليل ، فقال أبو جهل : هؤلاء تسعة عشر ، وأنتم الدهم{[11431]} ، أفيعجز عشرة منا عن رجل منهم ، وقال ابو الأشدي الجمحي{[11432]} : أنا أجهضهم{[11433]} على النار ، إلى غير هذا من أقوالهم السخيفة ، فنزلت في أبي جهل : { أولى لك فأولى }{[11434]} [ القيامة : 34-35 ] الآية ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وطلحة بن شبل «تسعْة عشر » بسكون العين ، وذلك لتوالي الحركات ، وقرأ أنس بن مالك وأبو حيوة «تسعةُ عشر » برفع التاء ، وروي عن أنس بن مالك أنه قرأ «تسعة أعشر » ، وضعفها أبو حاتم{[11435]} .


[11430]:ألغط القوم: صوتوا أصواتا مختلفة مبهمة لا تفهم.
[11431]:الدهم – بفتح الدال- العدد الكثير: يقال: جاء دهم من الناس، وجيش دهم أي كثير.
[11432]:في بعض النسخ: "أبو الأسود" وما أثبتناه، هنا يوافق ما في حاشية الجمل، واسمه أسيد بن كلدة الجمحي، كان شديد البأس، وكان من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم.
[11433]:أي أعجلهم عنها، وفي الحديث الشريف: "فأجهضوهم عن أثقالهم يوم أحد".
[11434]:الآية 24 من سورة القيامة.
[11435]:قال أبو الفتح في المحتسب: "تسعة عشر" بفتح هاء تسعة وسكون عين عشر- فلأجل كثرة الحركات ، وأن الاسمين جعلا كاسم واحد، فلم يوقف على الأول منهما فيحتاج إلى الابتداء بالثاني، فلما أمن ذلك أسكن تخفيفا أوله، وجعل ذلك أمارة لقوة اتصال أحد الاسمين بصاحبه، وقال أبو حاتم في "تسعة أعشر": لا وجه له تعرفه، إلا أن يعني تسعة أعشر جمع العشر أو شيئا غير الذي وقع في قلوبنا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ} (30)

وقوله : { عليها تسعة عشر } خبر رابع عن { سَقر } من قوله : { وما أدراك ما سقر } .

ومعنى { عليها } على حراستها ، ف ( على ) للاستعلاء المجازي بتشبيه التصرف والولاية بالاستعلاء كما يقال : فلان على الشرطة ، أو على بيت المال ، أي يلي ذلك والمعنى : أن خزنة سقر تسعة عشر مَلَكاً .

وقال جمع : إن عدد تسعة عشر : هُم نقباء الملائكة الموكلين بجهنم .

وقيل : تسعة عشر صِنفاً من الملائكة وقيل تسعة عشر صفّاً . وفي « تفسير الفخر » : ذكر أرباب المعاني في تقدير هذا العدد وجوهاً : أحدها قول أهل الحكمة : إن سبب فساد النفس هو القُوى الحيوانية والطبيعية أما الحيوانية فهي الخمس الظاهرة والخمس الباطنة ، والشهوة والغضب ، فمجموعها اثنتا عشرة . وأما القوى الطبيعية فهي : الجاذبة ، والماسكة ، والهاضمة ، والدافعة ، والغاذية ، والنامية ، والمولِّدة ، فهذه سبعة ، فتلك تسعَ عشرة . فلما كان منشأ الآفات هو هذه التسع عشرة كان عدد الزبانية كذلك اه .

والذي أراه أن الملائكة التسعة عشر موزَّعون على دركات سقر أو جهنمَ لكل دَرك مَلك فلعل هذه الدركات معيَّن كل درك منها لأهل شعبة من شُعب الكفر ، ومنها الدرك الأسفل الذي ذكره الله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } في سورة النساء ( 145 ) فإن الكفر أصناف منها إنكار وجود الله ، ومنها الوثنية ، ومنها الشرك بتعدد الإله ، ومنها عبادة الكواكب ، ومنها عبادة الشيطان والجن ، ومنها عبادة الحيوان ، ومنها إنكار رسالة الرسل ، ومنها المجوسية المانوية والمزدكية والزندقة ، وعبادة البشر مثل الملوك ، والإِباحيةُ ولو مع إثبات الإله الواحد .

وفي ذكر هذا العدد تحدَ لأهل الكتابين يبعثهم على تصديق القرآن إذ كان ذلك مما استأثر به علماؤهم كما سيأتي قوله : { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } [ المدثر : 31 ] .

وقرأ الجمهور { تسعة عَشر } بفتح العين من { عَشر } . وقرأ أبو جعفر { تسعة عشر } بسكون العين من { عشْر } تخفيفاً لتوالي الحركات فيما هو كالاسم الواحد ، ولا التفات إلى إنكار أبي حاتم هذه القراءة فإنها متواترة .