( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ) . .
فهذا هو موكب سليمان محشود محشور . يتألف من الجن والإنس والطير . والإنس معروفون ، أما الجن فهم خلق لا نعرف عنهم إلا ما قصه الله علينا من أمرهم في القرآن . وهو أنه خلقهم من مارج من نار . أي من لهيب متموج من النار . وأنهم يرون البشر والبشر لا يرونهم ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم )[ الكلام عن إبليس أو الشيطان وإبليس من الجن ] وأنهم قادرون على الوسوسة في صدور الناس بالشر عادة والإيحاء لهم بالمعصية - ولا ندري كيف - وأن منهم طائفة آمنت برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ولم يرهم هو أو يعرف منهم إيمانهم ولكن أخبره الله بذلك إخبارا : ( قل : أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا ، يهدي إلى الرشد فآمنا به ، ولن نشرك بربنا أحدا . . )ونعرف أن الله سخر طائفة منهم لسليمان يبنون له المحاريب والتماثيل والجفان الكبيرة للطعام ، ويغوصون له في البحر ، ويأتمرون بأمره بإذن الله . ومنهم هؤلاء الذين يظهرون هنا في موكبه مع إخوانهم من الإنس والطير .
ونقول : إن الله سخر لسليمان طائفة من الجن وطائفة من والطير كما سخر له طائفة من الإنس . وكما أنه لم يكن كل أهل الأرض من الإنس جندا لسليمان - إذ أن ملكه لم يتجاوز ما يعرف الآن بفلسطين ولبنان وسوريا والعراق إلى ضفة الفرات - فكذلك لم يكن جميع الجن ولا جميع الطير مسخرين له ، إنما كانت طائفة من كل أمة على السواء .
ونستند في مسألة الجن إلى أن إبليس وذريته من الجن كما قال القرآن . . ( إن إبليس كان من الجن ) . . وقال في سورة " الناس " : ( الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس )وهؤلاء كانوا يزاولون الإغواء والشر والوسوسة للبشر في عهد سليمان . وما كانوا ليزاولوا هذا وهم مسخرون له مقيدون بأمره . وهو نبي يدعو إلى الهدى . فالمفهوم إذن أن طائفة من الجن هي التي كانت مسخرة له .
ونستند في مسألة الطير إلى أن سليمان حين تفقد الطير علم بغيبة الهدهد . ولو كانت جميع الطيور مسخرة له ، محشورة في موكبه ، ومنها جميع الهداهد ، ما استطاع أن يتبين غيبة هدهد واحد من ملايين الهداهد فضلا على بلايين الطير . ولما قال : ما لي لا أرى الهدهد ? فهو إذن هدهد خاص بشخصه وذاته ، وقد يكون هو الذي سخر لسليمان من أمة الهداهد ، أو يكون صاحب النوبة في ذلك الموكب من المجموعة المحدودة العدد من جنسه . ويعين على هذا ما ظهر من أن ذلك الهدهد موهوب إدراكا خاصا ليس من نوع إدراك الهداهد ولا الطير بصفة عامة . ولا بد أن هذه الهبة كانت للطائفة الخاصة التي سخرت لسليمان . لا لجميع الهداهد وجميع الطيور . فإن نوع الإدراك الذي ظهر من ذلك الهدهد الخاص في مستوى يعادل مستوى العقلاء الأذكياء الأتقياء من الناس !
حشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير . وهو موكب عظيم ، وحشد كبير ، يجمع أوله على آخره ( فهم يوزعون )حتى لا يتفرقوا وتشيع فيهم الفوضى . فهو حشد عسكري منظم . يطلق عليه اصطلاح الجنود ، إشارة الحشد والتنظيم .
وقوله تعالى : { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي : وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير يعني : ركب فيهم في أبهة وعظمة{[21993]} كبيرة في الإنس ، وكانوا هم الذين يلونه ، والجن وهم بعدهم [ يكونون ]{[21994]} في المنزلة ، والطير ومنزلتها فوق رأسه ، فإن كان حرًّا أظلته منه بأجنحتها .
وقوله : { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي : يكف أولهم على آخرهم ؛ لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له .
قال مجاهد : جعل على كل صنف وزعة ، يردون أولاها على أخراها ، لئلا يتقدموا في المسير ، كما يفعل الملوك اليوم .
ثم قص تعالى حال سليمان فقال : { وحشر لسليمان } أيْ جمع واختلف الناس في مقدار جند سلمان عليه السلام اختلافاً شديداً لم أر ذكره لعدم صحة التحديد ، غير أن الصحيح أن ملكه كان عظيماً ملأ الأرض وانقادت له المعمورة وكان كرسيه يحمل أجناده من الإنس والجن ، وكانت الطير تظله من الشمس ويبعثها في الأمور ، وكان له في الكرسي الأعظم موضع يخصه ، و { يوزعون } معناه يرد أولهم إلى آخرهم ويُكَفُّون ، وقال قتادة فكان لكل صنف وزعة في رتبهم ومواضعهم من الكرسي ومن الأرض إذا مشوا فيها فرب وقت كان يسير فيه في الأرض ، ومنه قول الحسن الصبري حين ولي قضاء البصرة : لا بد للحاكم من وزعة ، ومنه قول أبي قحافة حين وصفت له الجارية في يوم الفتح أنها ترى سواداً أمامه فارس قد نهد من الصف فقال لها : ذلك الوازع{[8997]} ، ومنه قول الشاعر [ النابغة الذبياني ] : [ الطويل ]
على حين عاتبت المشيب على الصبا . . . وقلت ألمّا أصح والشيب وازع{[8998]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.