في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

وبعد هذا الافتتاح الذي يقرر كلمة الفصل في موضوع العذاب ، ووقوعه ، ومستحقيه ، ومصدره ، وعلو هذا المصدر ورفعته ، مما يجعل قضاءه أمرا علويا نافذا لا مرد له ولا دافع . . بعد هذا أخذ في وصف ذلك اليوم الذي سيقع فيه هذا العذاب ، والذي يستعجلون به وهو منهم قريب . ولكن تقدير الله غير تقدير البشر ، ومقاييسه غير مقاييسهم :

من الاية 4 الى الاية 5

( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فاصبر صبرا جميلا ، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ) . .

والأرجح أن اليوم المشار إليه هنا هو يوم القيامة ، لأن السياق يكاد يعين هذا المعنى . وفي هذا اليوم تصعد الملائكة والروح إلى الله . والروح : الأرجح أنه جبريل عليه السلام ، كما سمي بهذا الاسم في مواضع أخرى . وإنما أفرد بالذكر بعد الملائكة لما له من شأن خاص . وعروج الملائكة والروح في هذا اليوم يفرد كذلك بالذكر ، إيحاء بأهميته في هذا اليوم وخصوصيته ، وهم يعرجون في شؤون هذا اليوم ومهامه . ولا ندري نحن - ولم نكلف أن ندري - طبيعة هذه المهام ، ولا كيف يصعد الملائكة ، ولا إلى أين يصعدون . فهذه كلها تفصيلات في شأن الغيب لا تزيد شيئا من حكمة النص ، وليس لنا إليها من سبيل ، وليس لنا عليها من دليل . فحسبنا أن نشعر من خلال هذا المشهد بأهمية ذلك اليوم ، الذي ينشغل فيه الملائكة والروح بتحركات تتعلق بمهام ذلك اليوم العظيم .

وأما ( كان مقداره خمسين ألف سنة ) . . فقد تكون كناية عن طول هذا اليوم كما هو مألوف في التعبير العربي . وقد تعني حقيقة معينة ، ويكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة من سني أهل الأرض فعلا وهو يوم واحد ! وتصور هذه الحقيقة قريب جدا الآن . فإن يومنا الأرضي هو مقياس مستمد من دورة الأرض حول نفسها في أربع وعشرين ساعة . وهناك نجوم دورتها حول نفسها تستغرق ما يعادل يومنا هذا آلاف المرات . . ولا يعني هذا أنه المقصود بالخمسين ألف سنة هنا . ولكننا نذكر هذه الحقيقة لتقرب إلى الذهن تصور اختلاف المقاييس بين يوم ويوم !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

وقوله : { تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ } قال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { تَعْرُجُ } تصعد .

وأما الروح فقال أبو صالح : هم خلق من خلق الله . يشبهون الناس ، وليسوا أناسا .

قلت : ويحتمل أن يكون المراد به جبريل ، ويكون من باب عطف الخاص على العام . ويحتمل أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم ، فإنها إذا قبضت يُصعد بها إلى السماء ، كما دل عليه حديث البراء . وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث المِنْهَال ، عن زاذان ، عن البراء مرفوعًا - الحديث بطوله في قبض الروح الطيبة - قال فيه : " فلا يزال يصعد بها من سماء إلى سماء حتى ينتهي بها إلى السماء{[29309]} السابعة " . والله أعلم بصحته ، فقد تُكلم في بعض رواته ، ولكنه مشهور ، وله شاهد في حديث أبي هريرة فيما تقدم من رواية الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة ، من طريق ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يسار ، عنه وهذا إسناد رجاله على شرط الجماعة ، وقد بسطنا لفظه عند قوله تعالى : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [ إبراهيم : 27 ] .

وقوله : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } فيه أربعة أقوال :

أحدهما : أن المراد بذلك مسافة ما بين العرش العظيم إلى أسفل السافلين ، وهو قرار الأرض السابعة ، وذلك مسيرة خمسين ألف سنة ، هذا ارتفاع العرش عن المركز الذي في وسط الأرض السابعة . وذلك اتساع العرش من قطر إلى قطر مسيرة خمسين ألف سنة ، وأنه من ياقوتة حمراء ، كما ذكره ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش . وقد قال ابن أبي حاتم عند هذه الآية :

حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا حَكَّام ، عن عُمَر بن معروف ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قوله : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال : منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات مقدار خمسين ألف سنة ويوم كان مقداره ألف سنة . يعني بذلك : تَنزل الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقداره ألف سنة ؛ لأن ما بين السماء والأرض مقدار مسيرة خمسمائة سنة .

وقد رواه ابن جرير عن ابن حميد ، عن حَكَّام بن سلم ، عن عُمَر بن معروف ، عن ليث ، عن مجاهد قوله ، لم يذكر ابن عباس{[29310]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطُّنافِسيّ ، حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا نوح المؤدب ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : غلظ كل أرض خمسمائة عام ، وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام ، فذلك سبعة آلاف عام . وغلظ كل سماء خمسمائة عام ، وبين السماء إلى السماء خمسمائة عام ، فذلك أربعة عشر ألف عام ، وبين السماء السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام ، فذلك قوله : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }

القول الثاني : أن المراد بذلك مدة بقاء الدنيا منذ خلق الله هذا العالم إلى قيام الساعة ، قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبو زُرْعَة ، أخبرنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا ابن أبي زائدة ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال : الدنيا عمرها خمسون ألف سنة . وذلك عمرها يوم سماها الله تعالى يوم ، { تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ } قال : اليوم : الدنيا .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد - وعن الحكم بن أبان ، عن عكرمة : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال : الدنيا من أولها إلى آخرها مقدار خمسين ألف سنة ، لا يدري أحدٌ كم مضى ، ولا كم بقي إلا الله ، عز وجل{[29311]} .

القول الثالث : أنه اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة ، وهو قول غريب جدًّا . قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا بُهلول بن المورق{[29312]} حدثنا موسى بن عبيدة ، أخبرني محمد بن كعب : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال : هو يوم الفصل بين الدنيا والآخرة .

القول الرابع : أن المراد بذلك يوم القيامة ، قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن سِمَاك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال : يوم القيامة . هذا وإسناده صحيح . ورواه الثوري عن سماك بن حرب ، عن عكرمة { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } يوم القيامة . وكذا قال الضحاك ، وابن زيد .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال : فهذا يوم القيامة ، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة .

وقد وردت أحاديث في معنى ذلك ، قال الإمام أحمد :

حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا دَرّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } ما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " .

ورواه ابن جرير ، عن يونس ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن دراج ، به{[29313]} إلا أن دَرّاجا وشيخه ضعيفان ، والله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أبي عمرو الغُداني قال : كنت عند أبي هُرَيرة فمر رجل من بني عامر بن صعصعة ، فقيل له : هذا أكثر عامري مالا . فقال أبو هريرة : ردوه{[29314]} فقال : نبئت أنك ذو مال كثير ؟ فقال العامري : أي والله ، إن لي لمائة حُمْرًا و مائة أدمًا ، حتى عد من ألوان الإبل ، وأفنان الرقيق ، ورباط الخيل فقال أبو هريرة : إياك وأخفاف الإبل وأظلافَ النعم{[29315]} - يُرَدّد ذلك عليه ، حتى جعل لونُ العامري يتغير - فقال : ما ذاك يا أبا هُرَيرة ؟ قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كانت له إبلٌ لا يعطي حقها في نجدتها ورِسْلها - قلنا يا رسول الله : ما نجدتُها ورِسْلُها ؟ قال : " في عُسرها ويسرها - " فإنها تأتي يوم القيامة كأغذّ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قَرقَر ، فتطؤه بأخفافها ، فإذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله ، وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ثم يبطح لها بقاع قَرقَر فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله . وإذا كانت له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قَرقَر ، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عَقصاء ولا عضباء ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله " . قال العامري : وما حق الإبل يا أبا هريرة ؟ قال : أن تعطي الكريمة ، وتمنح الغَزيرَة ، وتفقر الظهر ، وتَسقيَ اللبن{[29316]} وتُطرقَ الفحل .

وقد رواه أبو داود من حديث شعبة ، والنسائي من حديث سعيد بن أبي عَرُوبة ، كلاهما عن قتادة ، به{[29317]} .

طريق أخرى لهذا الحديث : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، عن سُهَيل{[29318]} بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها بجهته وجنبه وظهره ، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " . وذكر بقية الحديث في الغنم والإبل كما تقدم ، وفيه : " الخيل الثلاثة ؛ لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر " إلى آخره{[29319]} .

ورواه مسلم في صحيحه بتمامه منفردًا به دون البخاري ، من حديث سُهَيل{[29320]} عن أبيه ، عن أبي هُرَيرة{[29321]} وموضع استقصاء طرقه وألفاظه في كتاب الزكاة في " الأحكام " ، والغرض من إيراده هاهنا قوله : " حتى يحكم الله بين عباده ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " .

وقد روى ابن جرير عن يعقوب{[29322]} عن ابن عُلَيَّة وعبد الوهاب ، عن أيوب ، عن ابن أبي مُلَيْكة قال : سأل رجل ابن عباس عن قوله : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال : فاتهمه ، فقيل له فيه ، فقال : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ فقال : إنما سألتك لتحدثني . قال : هما يومان ذكرهما الله ، الله أعلم بهما ، وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم{[29323]} .


[29309]:- (1) في م : "السماء التي فيها الله".
[29310]:- (2) تفسير الطبري (29/44).
[29311]:- (1) تفسير عبد الرزاق (2/253).
[29312]:- (2) في أ : "بهلول بن معروف".
[29313]:- (1) المسند (3/75) وتفسير الطبري (29/45) ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.
[29314]:- (2) في أ : "ردوه إلى".
[29315]:- (3) في م : "الغنم".
[29316]:- (4) في م : "وتسقي الإبل".
[29317]:- (5) المسند (2/489) وسنن أبي داود برقم (1660) وسنن النسائي (5/12).
[29318]:- (6) في أ : "عن سهل".
[29319]:- (1) المسند (2/262).
[29320]:- (2) في أ : "سهل".
[29321]:- (3) صحيح مسلم برقم (987).
[29322]:- (4) في أ : "عن منصور".
[29323]:- (5) تفسير الطبري (29/45).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة استئناف لبيان -ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على التمثيل والتخيل والمعنى أنها بحيث لو قدر قطعها في زمان لكان في زمان يقدر بخمسين ألف سنة من سني الدنيا وقيل تعرج الملائكة والروح إلى عرشه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من حيث أنهم يقطعون فيه ما يقطع الإنسان فيها لو فرض لا أن ما بين أسفل العالم وأعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة لأن ما بين مركز الأرض ومقعر السماء الدنيا على ما قيل مسيرة خمسمائة عام وثخن كل واحدة من السموات السبع والكرسي والعرش كذلك وحيث قال في يوم كان مقداره ألف سنة يريد زمان عروجهم من الأرض إلى محدب السماء الدنيا وقيل في يوم متعلق ب واقع أو سال إذا جعل من السيلان و المراد به يوم القيامة واستطالته إما لشدته على الكفار أو لكثرة ما فيه من الحالات والمحاسبات أو لأنه على الحقيقة كذلك والروح جبريل عليه السلام وإفراده لفضله أو خلق أعظم من الملائكة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

وقوله : { تعرج الملائكة } معناه : تصعد على أصل اللفظة في اللغة . { والروح } عند جمهور العلماء : هو جبريل عليه السلام خصصه بالذكر تشريفاً .

وقال مجاهد : { الروح } ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني آدم لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة . وقال بعض المفسرين : هو اسم الجنس في أرواح الحيوان . واختلف المتأولون في قوله تعالى : { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } . فقال منذر بن سعيد وجماعة من الحذاق : المعنى { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم } من أيامكم هذه مقدار المسافة أن لو عرجها آدمي خمسون ألف سنة ، وقاله ابن إسحاق فمن جعل { الروح } جبريل أو نوعاً من الملائكة قال : المسافة هي من قعر الأرض السابعة إلى العرش ، قاله مجاهد . ومن جعل { الروح } جنس الحيوان قال المسافة من وجه هذه الأرض إلى منتهى العرش علواً ، قاله وهب بن منبه . وقال قوم المعنى : { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره } في نفسه { خمسين ألف سنة } من أيامكم ، ثم اختلفوا في تعيين ذلك اليوم ، فقال عكرمة والحكم : أراد مدة الدنيا فإنها خمسون ألف سنة ، لا يدري أحد ما مضى منها ولا ما بقي ، فالمعنى { تعرج الملائكة والروح إليه } في مدة الدنيا ، وبقاء هذه البنية ويتمكن على هذا في { الروح } أن يكون جنس أرواح الحيوان ، وقال ابن عباس وغيره : بل اليوم المشار إليه يوم القيامة ثم اختلفوا ، فقال بعضهم قدره في الطول قدر خمسين ألف سنة ، وهذا هو ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم : «ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له صفائح من نار يوم القيامة ، تكوى بها جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره ألف سنة »{[11315]} . وقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري : بل قدره في هوله وشدته ورزاياه للكفار قدر { خمسين ألف سنة } . وهذا كما تقول في اليوم العصيب ، إنه كسنة ونحو هذا قال أبو سعيد ، قيل يا رسول الله ما أطول يوماً مقداره خمسون ألف سنة ، فقال : «والذي نفسي بيده ليخف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة »{[11316]} ، وقال عكرمة : المعنى كان مقدار ما ينقضي فيه من القضايا والحساب قدر ما ينقضي بالعدل في { خمسين ألف سنة } من أيام الدنيا . وقد ورد في يوم القيامة أنه كألف سنة وهذا يشبه أن يكون في طوائف دون طوائف . والعامل في قوله { في يوم } على قول من قال إنه يوم القيامة قوله { دافع } وعلى سائر الأقوال { تعرج } ، وقرأ جمهور القراء : «تعرج » بالتاء من فوق ، وقرأ الكسائي وحده : «يعرج » بالياء لأن التأنيث بالياء غير حقيقي ، وبالياء من تحت قرأ ابن مسعود لأنه كان يذكر الملائكة وهي قراءة الأعمش ، ثم أمر تعالى نبيه بالصبر الجميل ، وهو الذي لا يلحقه عيب من فشل ولا تشكك ولا قلة رضى ولا غير ذلك .


[11315]:هذا الجزء من حديث طويل أخرجه مسلم في الزكاة، وأحمد (2/262)، وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، بلفظ مسلم.
[11316]:أخرجه أحمد، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن حبان، والبيهقي في البعث، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، (الدر المنثور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِينَ أَلۡفَ سَنَةٖ} (4)

اعتراض لبيان أن المعارج منازل من الرفعة الاعتبارية ترتقي فيها الملائكة وليست معارج يعرج إليه فيها ، أي فهي معارج جعلها الله للملائكة فقرب بها من منازل التشريف ، فالله معرج إليه بإذنه لا عارج ، وبذلك الجعل وصف الله بأنه صاحبها ، أي جاعلها ، ونظيره قوله تعالى : { ذو العرش } [ غافر : 15 ] .

و { الروح } : هو جبريل عليه السلام الموكل بإبلاغ إرادة الله تعالى وإذنه وتخصيصه بالذكر لتمييزه بالفضل على الملائكة . ونظير هذا قوله : { تنزل الملائكة والروح فيها } [ القدر : 4 ] أي في ليلة القدر .

و { الروح } : يطلق على ما به حياة الإِنسان وتصريفُ أعماله وهو المذكور في قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } [ الإسراء : 85 ] . فيجوز أن يكون مما شمله قوله : { تعرج الملائكة والروح إليه } ، أي أرواح أهل الجنة على اختلاف درجاتها في المعارج . وهذا العروج كائن يوم القيامة وهو اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة . وهذه تقريبات لنهاية عظمة تلك المنازل وارتقاء أهل العالم الأشرف إليها وعظمة يوم وقوعها .

وضمير { إليه } عائد إلى الله على تأويل مضاف على طريقة تعلق بعض الأفعال بالذوات ، والمراد أحوالها مثل { حرمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] أي أكلها . و { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } يتنازع تعلقه كل من قوله : { واقع } [ المعارج : 1 ] وقوله : { تعرج } .