في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

83

ثم نعود إلى سياق السورة . فنجده يعقب على ذكر ذي القرنين للوعد الحق بمشهد من مشاهد القيامة .

( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ، ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ؛ وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ، الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ، وكان لا يستطيعون سمعا ) .

وهو مشهد يرسم حركة الجموع البشرية من كل لون وجنس وأرض . ومن كل جيل وزمان وعصر ، مبعوثين منشرين . يختلطون ويضطربون في غير نظام وفي غير انتباه ، تتدافع جموعهم تدافع الموج وتختلط اختلاط الموج . . ثم إذا نفخة التجمع والنظام : ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا فإذا هم في الصف في نظام !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

وقوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ [ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ] }{[18534]} أي : الناس يومئذ أي : يوم يدك{[18535]} هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم ، وهكذا قال السدي في قوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : ذاك حين يخرجون على الناس . وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال ، كما سيأتي بيانه [ إن شاء الله تعالى ]{[18536]} عند قوله : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } [ الأنبياء : 96 ، 97 ] وهكذا قال هاهنا : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } قال ابن زيد في قوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : هذا أول يوم القيامة ، { وَنُفِخَ{[18537]} فِي الصُّورِ } على أثر ذلك { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } .

وقال آخرون : بل المراد بقوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } أي : يوم القيامة يختلط الإنس والجن .

وروى ابن جرير ، عن محمد بن حميد ، عن يعقوب القمي{[18538]} عن هارون بن عنترة ، عن شيخ من بني فزارة{[18539]} في قوله : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : إذا ماج الإنس والجن قال إبليس : أنا أعلم لكم علم هذا الأمر . فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد بطنوا{[18540]} الأرض ، ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة بطنوا{[18541]} الأرض فيقول : " ما من محيص " . ثم يظعن يمينًا وشمالا إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة بطنوا{[18542]} الأرض فيقول : " ما من محيص " فبينما هو كذلك ، إذ عرض له طريق كالشراك ، فأخذ عليه هو وذريته ، فبينما هم عليه إذ هجموا على النار ، فأخرج الله خازنًا من خزان النار ، فقال : يا إبليس ، ألم تكن لك المنزلة عند ربك ؟ ! ألم تكن في الجنان ؟ ! فيقول : ليس هذا يوم عتاب ، لو أن الله فرض عليّ فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من خلقه . فيقول : فإن الله قد فرض عليك فريضة . فيقول : ما هي ؟ فيقول : يأمرك أن تدخل النار . فيتلكأ عليه ، فيقول به وبذريته بجناحيه فيقذفهم في النار . فتزفر النار{[18543]} زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مُرسل إلا جثا لركبتيه{[18544]}

وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به . رواه من وجه آخر عن يعقوب ، عن هارون عن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } قال : الجن الإنس ، يموج بعضهم في بعض .

وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصفهاني{[18545]} ، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا المغيرة بن مسلم ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ، ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا ، وإن من ورائهم ثلاث أمم : تاويل ، وتايس{[18546]} ومنسك " . {[18547]} هذا حديث غريب بل منكر ضعيف .

وروى النسائي من حديث شعبة عن النعمان بن سالم ، عن عمرو بن أوس ، عن أبيه ، عن جده أوس بن أبي أوس مرفوعًا : " إن يأجوج ومأجوج لهم نساء ، يجامعون ما شاؤوا ، وشجر يلقحون ما شاؤوا ، ولا يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا فصاعدًا " {[18548]}

وقوله : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } : والصور كما جاء في الحديث : " قرن ينفخ " فيه والذي ينفخ فيه إسرافيل ، عليه السلام ، كما قد تقدم في الحديث بطوله ، والأحاديث فيه كثيرة .

وفي الحديث عن عطية ، عن ابن عباس وأبي سعيد مرفوعًا : " كيف أنعم ، وصاحب القَرْن قد التقم القَرْن ، وحنى جبهته واستمع متى يؤمر " . قالوا : كيف نقول ؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " {[18549]}

وقوله { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } أي : أحضرنا الجميع للحساب { قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } [ الواقعة : 49 ، 50 ] ، { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [ الكهف : 47 ]


[18534]:زيادة من ف، أ.
[18535]:في ت: "بذكر".
[18536]:زيادة من ف، أ.
[18537]:في ت: "ينفخ".
[18538]:في أ: "العمى".
[18539]:في أ: "قرارة".
[18540]:في أ: "قد تطبقوا".
[18541]:في أ: "قد تطبقوا".
[18542]:في أ: "قد تطبقوا".
[18543]:في أ: "جهنم".
[18544]:تفسير الطبري (16/23).
[18545]:في ف، أ: "الأصبهاني".
[18546]:الحديث في مسند الطيالسى برقم (2282) وقال الهيثمي في المجمع (8 / 6): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات".تنبيه: وقع في مجمع الزوائد "تاول وتاريس ومنسك" وعند الطسالسى "تاويل وتاريس وتارليس ومنسك" وفي المطالب العالية "تاويل وتاريس وناسك".
[18547]:?????
[18548]:سنن النسائي الكبرى برقم (11334).
[18549]:رواه الترمذي في السنن برقم (2431) وقال: "هذا حديث حسن".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

{ وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد ، أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله : { ونُفخ في الصور } لقيام الساعة . { فجمعناهم جمعا } للحساب والجزاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ يَمُوجُ فِي بَعۡضٖۖ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَٰهُمۡ جَمۡعٗا} (99)

والضمير في { تركنا } لله عز وجل ، وقوله { يومئذ } يحتمل أن يريد به يوم القيامة لأنه قد تقدم ذكره ، فالضمير في قوله { بعضهم } على ذلك لجميع الناس ، ويحتمل أن يريد بقوله { يومئذ } يوم كمال السد ، فالضمير في قوله { بعضهم } على ذلك

{ يأجوج ومأجوج } [ الكهف : 94 ] ، واستعارة «الموج » لهم عبارة عن الحيرة وتردد بعضهم في بعض كالمولهين من هم وخوف ونحوه ، فشبههم بموج البحر الذي يضطرب بعضه في بعض ، وقوله { ونفخ في الصور } إلى آخر الآية معني به يوم القيامة بلا احتمال لغيره ، فمن تأول الآية كلها في يوم القيامة ، اتسق تأويله ، ومن تأول الآية إلى قوله { يموج في بعض } في أمر يأجوج ومأجوج ، تأول القول وتركناهم يموجون دأباً على مر الدهر وتناسل القرون منهم فنائهم ، ثم { نفخ في الصور } فيجتمعون ، و { الصور } : في قول الجمهور وظاهر الأحاديث الصحاح ، هو القرن الذي ينفخ فيه للقيامة ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :«كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنا الجبهة وأصغى بالأذن متى يؤمر » ، فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «قولوا حسبنا الله وعلى الله توكلنا ، ولو اجتمع أهل منى ما أقلوا ذلك القرن »{[7903]} ، وأما «النفخات » ، فأسند الطبري إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « » الصور «قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام{[7904]} لرب العالمين » ، وقال بعض الناس «النفخات » اثنتان : نفخة الفزع ، وهي نفخة الصعق ، ثم الأخرى التي هي للقيام ، وملك الصور هو إسرافيل ، وقالت فرقة { الصور } جمع صورة ، فكأنه أراد صور البشر والحيوان نفخ فيها الروح ، والأول أبين وأكثر في الشريعة .


[7903]:أخرجه أحمد، والطبراني في الأوسط، والحاكم، والبيهقي في البعث، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقد سبق الاستشهاد بهذا الحديث عن تفسير الآية (73) من سورة الأنعام (5ـ 250)، وينتهي الحديث كما ذكره في الدر المنثور بقوله: {وعلى الله توكلنا}.
[7904]:الحديث في الطبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما فرغ الله من خلق السماوات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو وضعه على فيه شاخص بصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر)، قال أبو هريرة: يا رسول الله، ما الصور؟ قال: (قرن)، قال: وكيف هو؟ قال: (قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين). وفي حديث عن الدجال أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه ينفخ في الصور المرة الأولى فيصعق من في السماوات والأرض، ثم ينفخ فيه أخرى).