في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ} (10)

1

بعد هذا البيان يتجه إلى تقرير مصير الذين كفروا ، وسنة الله التي لا تتخلف في أخذهم بذنوبهم ، وإلى تهديد الذين يكفرون من أهل الكتاب ، ويقفون لهذا الدين ، ويلقن الرسول [ ص ] أن ينذرهم ، ويذكرهم ما رأوه بأعينهم في غزوة بدر من نصر القلة المؤمنة على حشود الكافرين :

( إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ، وأولئك هم وقود النار . كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا ، فأخذهم الله بذنوبهم ، والله شديد العقاب . قل للذين كفروا . ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد . قد كان لكم آية في فئتين التقتا : فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة ، يرونهم مثليهم رأي العين ، والله يؤيد بنصره من يشاء ، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ) . .

إن هذه الآيات واردة في صدد خطاب بني إسرائيل ، وتهديدهم بمصير الكفار قبلهم وبعدهم . وفيها لفتة لطيفة عميقة الدلالة كذلك . . فهو يذكرهم فيها بمصير آل فرعون . . وكان الله سبحانه قد أهلك آل فرعون وأنجى بني إسرائيل . ولكن هذا لا يمنحهم حقا خاصا إذا هم ضلوا وكفروا ، ولا يعصمهم أن يوصموا بالكفر إذا هم انحرفوا ، وأن ينالوا جزاء الكافرين في الدنيا والآخرة كما نال آل فرعون الذين انجاهم الله منهم !

كذلك يذكرهم مصارع قريش في بدر - وهم كفار - ليقول لهم : إن سنة الله لا تتخلف . وإنه لا يعصمهم عاصم من أن يحق عليهم ما حق على قريش . فالعلة هي الكفر . وليس لأحد على الله دالة ، ولا له شفاعة إلا بالإيمان الصحيح !

( إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ، وأولئك هم وقود النار ) . .

والأموال والأولاد مظنة حماية ووقاية ؛ ولكنهما لا يغنيان شيئا في ذلك اليوم الذي لا ريب فيه ، لأنه لا إخلاف لميعاد الله . وهم فيه : ( وقود النار ) . . بهذا التعبير الذي يسلبهم كل خصائص " الإنسان " ومميزاته ، ويصورهم في صورة الحطب والخشب وسائر ( وقود النار ) . .

لا بل إن الأموال والأولاد ، ومعهما الجاه والسلطان ، لا تغني شيا في الدنيا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ} (10)

يخبر تعالى عن الكفار أنهم وقود النار ، { يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر : 52 ] وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله ، ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه ، بل كما قال تعالى : { وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } [ التوبة : 85 ] وقال تعالى : { لا{[4815]} يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } [ آل عمران : 196 : 197 ] كما قال هاهنا : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي : بآيات الله وكذبوا رسله ، وخالفوا كتابه ، ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } أي : حطبها الذي تسجر به وتوقد به ، كقوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ] }{[4816]} [ الأنبياء : 98 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي مريم ، أخبرنا ابن لَهِيعة ، أخبرني ابن الهاد ، عن هند بنت الحارث ، عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس قالت : بينما نحن بمكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ، فقال{[4817]} هل بلغت ، اللهم هل بلغت . . . " ثلاثًا ، فقام عمر بن الخطاب فقال : نعم . ثم أصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليظهرن الإسلام حتى يرد الكفر إلى مواطنه ، وَلَتَخُوضُنَّ{[4818]} البحار بالإسلام ، وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرؤونه ، ثم يقولون : قد قرأنا وعلمنا ، فمن هذا الذي هو خير منا ، فهل في أولئك من خير ؟ " قالوا : يا رسول الله ، فمن أولئك ؟ قال : " أولئك منكم{[4819]} وأولئك هم وقود النار " . وكذا رأيته بهذا اللفظ .

وقد رواه ابن مردويه من حديث يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن هند بنت الحارث ، امرأة عبد الله بن شداد ، عن أم الفضل ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة بمكة فقال : " هل بلغت " يقولها ثلاثا ، فقام عمر بن الخطاب - وكان أوَّاها - فقال : اللهم نعم ، وحرصتَ وجهدتَ ونصحتَ فاصبر . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليظهرن الإيمان حتى يردّ الكفر إلى مواطنه ، وليخوضنّ رجال البحار بالإسلام{[4820]} وليأتين على الناس زمان يقرؤون القرآن ، فيقرؤونه ويعلمونه ، فيقولون : قد قرأنا ، وقد علمنا ، فمن هذا الذي هو خير منا ؟ فما في أولئك من خير " قالوا : يا رسول الله ، فمن أولئك ؟ قال : " أولئك منكم ، وأولئك هم وقود النار " {[4821]} ثم رواه من طريق موسى بن عبيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن بنت الهاد ، عن العباس بن عبد المطلب بنحوه .


[4815]:في جـ، ر: "ولا" وهو خطأ.
[4816]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[4817]:في أ، و: "فنادى".
[4818]:في أ: ": وليخوضن".
[4819]:في جـ، أ، و: منهم".
[4820]:في جـ: "بإسلامهم".
[4821]:تفسير ابن أبي حاتم (2/90) وفيه ابن لهيعة، وقد توبع، تابعه عبد العزيز بن أبي حازم عن يزيد بن الهاد به. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/250) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (1/186) "رجاله ثقات، إلا أن هند بنت الحارث الخثعمية التابعية لم أر من وثقها ولا من جرحها".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ} (10)

{ إن الذين كفروا } عام في الكفرة . وقيل : المراد به وفد نجران ، أو اليهود ، أو مشركوا العرب . { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا } أي من رحمته ، أو طاعته على معنى البدلية ، أو من عذابه { وأولئك هم وقود النار } حطبها . وقرئ بالضم بمعنى أهل وقودها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ} (10)

هم الكفار الذين لا يقرون ببعث إنما هي على وجه الدهر وإلى يوم القيامة في زينة الدنيا وهي المال والبنون ، فأخبر الله تعالى في هذه الآية ، أن ذلك المتهم فيه لا يغني عن صاحبه شيئاً ولا يمنعه من عذاب الله وعقابه ، و { من } في قوله : { من الله } لابتداء الغاية ، والإشارة بالآية إلى معاصري النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يفخرون بأموالهم وأبنائهم ، وهي - بعد - متناولة كل كافر ، وقرأ أبو عبد الرحمن{[2979]} : «لن يغني » بالياء ، على تذكير العلامة ، والوقود بفتح الواو ما يحترق في النار من حطب ونحوه ، وكذلك هي قراءة جمهور الناس ، وقرا الحسن ومجاهد وجماعة غيرهما { وُقُود } بضم الواو وهذا على حذف مضاف تقديره ، حطب { وقود النار } ، والوقود بضم الواو المصدر ، وقدت النار تقد إذا اشتعلت ، والدأْب والدأَب ، بسكون الهمزة وفتحها ، مصدر دأب يدأب - إذا لازم فعل شيء ودام عليه مجتهداً فيه ، ويقال للعادة - دأب - فالمعنى في الآية ، تشبيه هؤلاء في لزومهم الكفر ودوامهم عليه بأولئك المتقدمين ، وآخر الآية يقتضي الوعيد بأن يصيب هؤلاء مثل ما أصاب أولئك من العقاب .


[2979]:- هو محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري الصوفي الأزدي السلمي-أبو عبد الرحمان-. أخذ عن أبي العباس الأصم، وأحمد بن محمد بن عبدوس، وأحمد بن المؤمل وخلق كثير، وعنه أخذ القشيري، والبيهقي، وأبو صالح المؤذن، وغيرهم، صنّف للصوفية سننا وتفسيرا وتاريخا، وبلغ فهرست تصانيفه المائة أو أكثر، وكتب الحديث. ولد سنة: 330هـ، وتوفي سنة: 412هـ. "تذكرة الحفاظ للذهبي 1046/3"، قال الخطيب: محله كبير، وكان مع ذاك صاحب حديث مجودا. (نفس المصدر).