السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ} (10)

ولما حكى الله سبحانه وتعالى دعاء المؤمنين وتضرعهم حكى كيفية حال الكافرين وشدّة عقابهم بقوله تعالى :

{ إنّ الذين كفروا } وهو عام في الكفرة ، وقيل : المراد بهم وفد نجران أو اليهود أو مشركو العرب { لن تغنيَ } أي : لن تنفع ولن تدفع { عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً } أي : من عذابه وقيل : من رحمته أو من طاعته على معنى البدلية قاله البيضاوي : أي : على أنّ من للبدل والمعنى لن تغني عنهم من رحمة الله أو من طاعته شيئاً أي : بدل رحمته وطاعته . قال أبو حيان : وإثبات البدلية جمهور النحاة تأباه { وأولئك هم وقود النار } أي : حطبها وفي ذلك كمال العذاب ؛ لأنّ كماله أن يزول عنه ما ينتفع به ثم يجتمع عليه الأسباب المؤلمة ، فالأوّل هو المراد بقوله تعالى : { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم } فإن المرء عند الشدّة يفزع إلى المال والولد ؛ لأنهما أقرب الأمور التي يفزع إليها في دفع النوائب ، فبين تعالى أن صفة ذلك اليوم مخالفة لصفة الدنيا وإذا تعذر عليه الانتفاع بالمال والولد وهما أقرب الطرق فما عداه بالتعذر أولى ونظيره { يوم لا ينفع مال ولا بنون88 إلا من أتى الله بقلب سليم } ( الشعراء ، 89 ) ، وأمّا الثاني من أسباب كمال العذاب وهو اجتماع الأسباب المؤلمة فهو المراد بقوله تعالى : { وأولئك هم وقود النار } وهذا هو النهاية في العذاب ، فإنه لا عذاب أعظم من أن تشتعل النار فيهم كاشتعالها في الحطب اليابس .