ثم إنه سبحانه لما حكى عن المؤمنين دعاءهم وتضرعهم حكى كيفية حال الكافرين وشدة عذابهم فقال : { إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً } وقيل : المراد وفد نجران وذلك أنا روينا في قصتهم أن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه : إني أعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً ، ولكي إن أظهرت ذلك أخذ ملوك الروم مني ما أعطوني من المال . فالله تعالى بيَّن أن أموالهم وأولادهم لا تدفع عنهم عذاب الله في الدنيا والآخرة ، لكن خصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ .
واعلم أن كمال العذاب هو أن يزول عنه كل ما كان منتفعاً به ويجتمع عليه جميع الأسباب المؤلمة . أما الأول فإليه أشار بقوله : { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم } لأنهما أقرب الأمور التي يفزع إليها المرء عند الخطوب ، وإذا لم يفد أقرب الطرق إلى دفع المضار في ذلك اليوم فما عداه بالتعذر أولى ومثله { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم }[ الصافات : 149 ] { المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير }[ الكهف :46 ] . وأما الثاني فإليه أشار بقوله :{ وأولئك هم وقود النار } فإنه لا عذاب أزيد من أن تشتعل النار فيهم كاشتعالها في الحطب اليابس و " من " في قوله :{ من الله } للبدل مثله في قوله { إن الظن لا يغني من الحق شيئا }[ النجم : 28 ] أي بدله والمضاف محذوف تقديره لن تغني عنهم بدل رحمة الله أو طاعته شيئا . أو في الحديث " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " أي لا ينفعه جده وحظه في الدنيا بدل طاعته وعبادته وما عندك وأنشد أبو علي :
فليت لنا من ماء زمزم شربة *** مبردة باتت على طهيان
وطهيان من بلاد الأزد . قلت : يجوز أن يقال " من " للابتداء تقديره من عذاب الله ، والجار والمجرور مقدم حالا من شيء أو " من " زائدة لتأكيد النفي التقدير : لن تغني عنهم عذاب الله شيئا من الغناء أي لن تدفع . وقال أبو عبيدة " من " بمعنى " عند " والمعنى : لن تغني عند الله شيئا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.