إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغۡنِيَ عَنۡهُمۡ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ وَقُودُ ٱلنَّارِ} (10)

{ إِنَّ الذين كَفَرُواْ } إثرَ ما بين الدينَ الحقَّ والتوحيد وذكر أحوالَ الكتب الناطقةِ به وشرح شأن القرآنِ العظيم وكيفيةِ إيمانِ العلماء الراسخين به شَرَع في بيان حال مَنْ كفر به ، والمرادُ بالموصول جنسُ الكفرة الشاملُ لجميع الأصناف ، وقيل : وفدُ نجرانَ أو اليهودُ من قريظةَ والنضِير أو مشركو العرب { لَن تُغْنِي عَنْهُمْ } أي لن تنفعَهم وقرئ بالتذكير وبسكون الياء جِدّاً في استثقال الحركة على حروف اللين { أموالهم } التي يبذُلونها في جلب المنافع ودفعِ المضارّ { وَلاَ أولادهم } الذين بهم يتناصرون في الأمور المُهمة وعليهم يعوّلون في الخطوب المُلمة ، وتأخيرُ الأولاد عن الأموال مع توسيط حرف النفي بينهما إما لعراقة الأولادِ في كشف الكروب ، أو لأن الأموال أولُ عُدّة يُفزع إليها عند نزول الخطوب { مِنَ الله } من عذابه تعالى { شَيْئاً } أي شيئاً من الإغناء ، وقيل : كلمة من بمعنى البدل والمعنى بدلَ رحمةِ الله أو بدلَ طاعته كما في قوله تعالى : { إَنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئًا } [ يونس ، الآية 36 ] أي بدل الحق ومنه قوله : ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدُّ أي لا ينفعه جَدُّه بذلك أي بدلَ رحمتك كما في قوله تعالى : { وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم بالتي تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زلفى } [ سبأ ، الآية 37 ] وأنت خبير بأن احتمال سدِّ أموالِهم وأولادهم مسدَّ رحمة الله تعالى أو طاعته مما لا يخطُر ببال أحد حتى يُتصدَّى لنفيه ، والأولُ هو الأليقُ بتفظيع حال الكفرة وتهويل أمرهم والأنسبُ بما بعده من قوله تعالى : { وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النار } ومن قوله تعالى : { فَأَخَذَهُمُ الله } [ آل عمران ، الآية 11 ] أي أولئك المتّصفون بالكفر حطبُ النار وحصَبُها الذي تُسعّر به ، فإن أريد بيانُ حالِهم عند التسعير فإيثارُ الجملةِ الاسمية للدِلالة على تحقق الأمر وتقرّره ، وإلا فهو للإيذان بأن حقيقة حالِهم ذلك ، وأن أحوالهم الظاهرةَ بمنزلة العدم فهم حال كونهم في الدنيا وَقودُ النار بأعيانهم . وفيه من الدلالة على كمال ملابستهم بالنار ما لا يخفى و { هُمْ } يحتمل الابتداءَ وأن يكون ضميرَ فصلٍ والجملة إما مستأنفةٌ مقرِّره لعدم الإغناء أو معطوفة على خبر إن ، وأيا ما كان ففيها تعيينٌ للعذاب الذي بيّن أن أموالهم وأولادهم لا تغني عنهم منه شيئاً . وقرئ وُقود النار بضم الواو وهو مصدر أي أهلُ وقودها .