في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (254)

253

ومن ثم يعقب السياق على ذكر الاختلاف والاقتتال بنداء ( الذين آمنوا ) ، ودعوتهم إلى الإنفاق مما رزقهم الله . فالإنفاق صنو الجهاد وعصب الجهاد :

( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة . والكافرون هم الظالمون ) . .

إنها الدعوة بالصفة الحبيبة إلى نفوس المؤمنين ، والتي تربطهم بمن يدعوهم ، والذي هم به مؤمنون : يا أيها الذين آمنوا . .

وهي الدعوة إلى الإنفاق من رزقه الذي أعطاهم إياه . فهو الذي أعطى ، وهو الذي يدعو إلى الإنفاق مما أعطى : ( أنفقوا مما رزقناكم ) . .

وهي الدعوة إلى الفرصة التي إن أفلتت منهم فلن تعود ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) . .

فهي الفرصة التي ليس بعدها - لو فوتوها على أنفسهم - بيع تربح فيه الأموال وتنمو . وليس بعده صداقة أو شفاعة ترد عنهم عاقبة النكول والتقصير .

ويشير إلى الموضوع الذي يدعوهم إلى الإنفاق من أجله . فهو الإنفاق للجهاد . لدفع الكفر . ودفع الظلم المتمثل في هذا الكفر :

( والكافرون هم الظالمون ) . .

ظلموا الحق فأنكروه . وظلموا أنفسهم فأوردوها موارد الهلاك . وظلموا الناس فصدوهم عن الهدى وفتنوهم عن الإيمان ، وموهوا عليهم الطريق ، وحرموهم الخير الذي لا خير مثله . خير السلم والرحمة والطمأنينة والصلاح واليقين .

إن الذين يحاربون حقيقة الإيمان أن تستقر في القلوب ؛ ويحاربون منهج الإيمان أن يستقر في الحياة ؛ ويحاربون شريعة الإيمان أن تستقر في المجتمع . . إنما هم أعدى أعداء البشرية وأظلم الظالمين لها . ومن واجب البشرية - لو رشدت - أن تطاردهم حتى يصبحوا عاجزين عن هذا الظلم الذي يزاولونه ؛ وأن ترصد لحربهم كل ما تملك من الأنفس والأموال . . وهذا هو واجب الجماعة المسلمة الذي يندبها إليه ربها ويدعوها من أجله بصفتها تلك ؛ ويناديها ذلك النداء الموحي العميق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (254)

يأمر تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم في سبيله سبيل الخير ليدخروا ثواب ذلك عند ربهم ومليكهم وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة الدنيا { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ } يعني : يوم القيامة { لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ } أي : لا يباع أحد من نفسه ولا يفادى بمال لو بذله ، ولو جاء بملء الأرض ذهبًا ولا تنفعه خلة أحد ، يعني : صداقته بل ولا نسابته كما قال : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ } [ المؤمنون : 101 ]{ وَلا شَفَاعَةٌ } أي : ولا تنفعهم شفاعة الشافعين .

وقوله : { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } مبتدأ محصور في خبره أي : ولا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذ كافرا . وقد روى ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار أنه{[4266]} قال : الحمد لله الذي قال : { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ولم يقل : والظالمون هم الكافرون .


[4266]:في جـ: "به".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (254)

{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم } ما أوجبت عليكم إنفاقه . { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة } من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فرطتم ، والخلاص من عذابه إذ لا بيع فيه فتحصلون ما تنفقونه ، أو تفتدون به من العذاب ولا خلة حتى يعينكم عليه أخلاؤكم أو يسامحوكم به ولا شفاعة { إلا من أذن الرحمن ورضي له قولا } حتى تتكلوا على شفعاء تشفع لكم في حط ما في ذممكم ، وإنما رفعت ثلاثتها مع قصد التعميم لأنها في التقدير جواب : هل فيه بيع ؟ أو خلة ؟ أو شفاعة ؟ وقد فتحها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب على الأصل . { والكافرون هم الظالمون } يريد والتاركون للزكاة هم ظالمون الذين ظلموا أنفسهم ، أو وضعوا المال في غيره موضعه وصرفوه على غير وجهه ، فوضع الكافرون موضعه تغليظا لهم وتهديدا كقوله : { ومن كفر } مكان ومن لم يحج وإيذانا بأن ترك الزكاة من صفات الكفار لقوله تعالى : { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة } .