محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (254)

{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون 254 } .

{ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم } هذا أمر بالإنفاق لبعض من المال . قيل هو أمر إيجاب وأنه أراد ، بذلك ، الإنفاق الواجب وهو الزكاة . لأنه تعالى عقبه بالوعيد بقوله : { والكافرون } إلخ ، حيث عنى بهم مانعوها كما يأتي . وقال الأصم وأبو عليّ : أراد النفقة في الجهاد . وقال أبو مسلم وابن جريح : أراد الفرض والنفل . وهو المتَّجه . وقوله تعالى : { من قبل أن يأتي يوم } هو يوم القيامة { لا بيع فيه } أي فتحصلون ما تنفقونه / أو تفتدون به من العذاب { ولا خلّة } حتى يعينكم الأخلاء . { الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } {[1389]} { ولا شفاعة } حتى تتكلوا على شفعاء : { إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا } {[1390]} . { والكافرون هم الظالمون } أراد والتاركون الزكاة هم الظالمون وإيثاره عليه للتغليظ والتهديد . كما في قوله تعالى في آخر آية الحج { ومن كفر } {[1391]} مكان ( ومن لم يحج ) وللإيذان بأن ترك الزكاة من صفات الكفار . قال تعالى : { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة } {[1392]} . ذكره الزمخشريّ .

ويحتمل أن يكون المعنى : والكافرون هم الظالمون لأنفسهم بوضع الأموال في غير مواضعها . فلا تكونوا أيها المؤمنون مثلهم في أن لا تنفقوا فتضعوا أموالكم في غير مواضعها . وفي هذه الآية دلالة على حسن المسارعة إلى الخيرات ، قبل فواتها بهجوم ما يخشى معه الفوت ، من موت أو غيره .


[1389]:[43/ الزخرف/ 67].
[1390]:[20/ طه/ 109] ونصها: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان ورضي له قولا 109}.
[1391]:[3/ آل عمران/ 97] ونصها: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين 97}.
[1392]:[41/ فصلت/ 6 و7] ونصهما: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين 6 * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون 7}.