إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (254)

{ يا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَنفِقُواْ } في سبيل الله { مِمَّا رزقناكم } أي شيئاً مما رزقناكموه على أن ( ما ) موصولة حُذف عائدُها ، والتعرضُ لوصوله منه تعالى للحث على الإنفاق كما في قوله تعالى : { وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [ الحديد ، الآية : 7 ] والمرادُ به الإنفاقُ الواجبُ بدلالة ما بعده من الوعيد { من قَبْلِ أَن يَأْتِي يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شفاعة } كلمةُ ( مِن ) متعلقةٌ بما تعلقت به أختها ولا ضير فيه لاختلاف معنييهما فإن الأولى تبعيضيةٌ وهذه لابتداء الغايةِ أي أنفِقوا بعضَ ما رزقناكم من قبل أنْ يأتيَ يومٌ لا تقدِرون على تلافي ما فرّطتم فيه إذ لا تبايُعَ فيه حتى تتبايعوا ما تُنفقونه أو تفتدون به من العذاب ولا خُلةٌ حتى يسامحَكم به أخلاؤكم أو يُعينوكم عليه ولا شفاعةٌ إلا لمن أذِنَ له الرحمن ورضِيَ له قولاً حتى تتوسلوا بشفعاءَ يشفعون لكم في حطّ ما في ذمتكم ، وإنما رُفعت الثلاثةُ مع قصد التعميم لأنها في التقدير جوابُ هل فيه بيعٌ أو خلةٌ أو شفاعةٌ وقرئ بفتح الكل { والكافرون } أي والتاركون للزكاة ، وإيثارُه عليه للتغليظ والتهديد كما في قوله تعالى : { وَمَن كَفَرَ } [ آل عمران : 97 ، النور : 55 ، النمل : 40 ، لقمان : 12 ، 23 ] مكانَ ومَنْ لم يحُجّ وللإيذان بأن تركَ الزكاة من صفات الكفار قال تعالى : { وَوَيْلٌ للْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة } [ فصلت ، الآية : 7 ] { هُمُ الظالمون } أي الذين ظلموا أنفسَهم بتعريضها للعقاب ووضعوا المالَ في غير موضعِه وصرفوه إلى غير وجهه .