السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (254)

{ يأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم } أي : مما أوجبت عليكم إنفاقه من الزكاة ، قاله السديّ وقال غيره أراد به صدقة التطوّع والنفقة في الخير ، أي : فلا تبخلوا بالإنفاق فإنه لا داء أدوأ من البخل . قال تعالى : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } ( الحشر ، 9 ) ( التغابن ، 16 ) وصرف الأمر بالتبعيض إلى الحلال الطيب يمنع احتجاج المعتزلة بها ، في أنّ الرزق لا يكون إلا حلالاً ، لكونه مأموراً به .

وأتبعه بما يرغب ويرهب من حلول يوم التناد الذي تنقطع فيه الأسباب التي أقامها سبحانه وتعالى في هذه الدار فقال : { من قبل أن يأتي يوم } موصوف بأنه { لا بيع فيه } أي : فداء { ولا خلّة } أي : صداقة تنفع { ولا شفاعة } بغير إذنه والمعنى أنه لا يفدى فيه أسير بمال ولا يراعي الصداقة من مساو ، ولا الشفاعة من كبير ، لعدم إرادة الله تعالى لشيء من ذلك ولا يكون إلا ما يريد ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنصب في بيع وخلة وشفاعة ، ولا تنوين على الأصل ، والباقون بالرفع والتنوين على أنها في تقدير جواب هل فيه بيع أو خلة أو شفاعة .

ولما حثّ سبحانه وتعالى على الإنفاق ختم الآية بذمّ الكافرين ، بكونهم لم يتحلوا بهذه الصفة ، لتخليصهم من الإيمان وبعدهم منه وتكذيبهم بذلك اليوم ، فهم لا ينفقون لخوفه وإرهابه فقال بدل ولا نصرة لكافر { والكافرون } أي : المعلوم كفرهم في ذلك اليوم { هم } المختصون بأنهم { الظالمون } أي : الكاملون في الظلم لا غيرهم .