تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (254)

{ يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا يبيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون }

المفردات :

الخلة : الصداقة والمودة مأخوذة من تخلل الأسرار بين الصديقين وسميت بذلك لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها أي لشدة الحاجة إليها ومنه سمي الخليل لاحتياج الإنسان إليه .

و الشفاعة : مأخوذة من الشفع بمعنى الضم وتطلق على انضمام شخص إلى آخر لنفعه او نصرته وأكثر ما تستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى ما هو دونه .

و المعنى :

عليكم -أيها المؤمنون- أن تنفقوا في وجوه الخير كإعانة المجاهدين ومساعدة الفقراء والبائسين من أموالكم التي رزقكم الله إياها بفضله وكرمه من قبل أن يأتي يوم القيامة الذي لا يكون فيه تجارة ولا مبايعة حتى تقدموا عن طريقها ما تفتدون به أنفسكم ولا يكون فيه صديق يدفع عنكم ولا شفيع يشفع لكم من سيئاتكم إلا أن يأذن رب العالمين بالشفاعة تفضلا منه وكرما .

فالآية الكريمة تحض المؤمنين على الإنفاق في سبيل الله لأنه أهم عناصر القوة في الأمة ، وأفضل وسيلة لإقامة المجتمع الصالح المتكامل .

والمراد بالإنفاق هنا ما يشمل الفرض والنفل والأمر به لمطلق الطلب إلا أن هذا الطلب قد يصل إلى درجة الوجوب إذا نزلت بالأمة شدة لم تكف الزكاة عن دفعها .

و قوله : { مما رزقناكم } إشعار بأن هذا المال الذي بين أيدي الأغنياء ما هو إلا رزق رزقهم الله إياه ونعمة انعم بها عليهم فمن الواجب شكرها بألا يبخلوا بجزء منه على الإنفاق في وجوه الخير لأن هذا البخل سيعود عليهم بما يضرهم .

و في قوله : { من قبل أن يأتي يوم . . } إلخ حث آخر على التعجيل بالإنفاق لأنه تذكير للناس بهذا الوقت الذي تنتهي فيه الأعمال ولا يمكن فيه استدراك ما فاتهم ولا تعويض ما فقدوه من طاعات فكأنه سبحانه يقول لهم نجوا أنفسكم بالمسارعة إلى الإنفاق من قبل أن يأتي يوم لا مناجاة فيه إلا بالعمل الصالح الذي قدمتموه .

و " من " في قوله { مما رزقناكم } للتبعيض وفي قوله { من قبل } لابتداء الغاية ومفعول أنفقوا محذوف والتقدير أنفقوا شيئا مما رزقناكم .

و الشفاعة المنفية هنا هي التي لا يقبلها الله تعالى وهي التي لا يأذن بها أما شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فقد أذن الله له بها وقبلها منه وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغ التواتر المعنوي في ان النبي صلى الله عليه وسلم ستكون له شفاعة في دفع العذاب عن الأقوام من المؤمنين وتخفيفه عن اهل الكبائر من المسلمين ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله قال : ( أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )( 11 ) .

ثم ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله : { والكافرون هم الظالمون } أي الكافرون الجاحدون لنعمه هم الظالمون لأنفسهم لأنهم حالوا بينها وبين الهداية بإيثارهم العاجلة على الآجلة ، الغي على الرشد ، والشر على الخير والبخل على السخاء .

أما المؤمنون فليسوا كذلك لأنهم سلكوا الطريق المستقيم وبذلوا كثيرا من الأموال في سبيل إعلاء كلمة الله وفي إعانة المحتاجين .

و بذلك نرى ان الآية الكريمة قد حضت المؤمنين على المسارعة في إنفاق أموالهم في وجوه الخير من قبل ان يأتي يوم لا ينفع فيه ما كان نافعا في الدنيا من أقوال وأعمال وأنها قد توعدت من يبخل عن الإنفاق في سبيل الله بسوء العاقبة لأنه تشبه بالكافرين في بخلهم وإمساكهم عن بذل أموالهم في وجوه الخير .