غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (254)

القراءات : { لا بيعَ فيه ولا خلة ولا شفاعة } بالفتح غير منون : أبو عمرو وسهل ويعقوب وابن كثير ؛ الباقون : بالرفع والتنوين . وكذلك في سورة إبراهيم :{ لا بيع فيه ولا خلال }[ الآية : 31 ] وكذلك في سورة الطور :{ لا لغو فيها ولا تأثيم }[ الآية : 23 ] .

252

ثم إنه تعالى لما أمر بالقتال فيما سبق بقوله{ وقاتلوا في سبيل }[ البقرة : 190 ] وأعقبه بقوله{ منْ ذا الذي يقرض الله }[ الحديد : 11 ] ، والغرض منه الإنفاق في الجهاد ، ثم أكّد الأمر بالقتال وذكر فيه قصة طالوت ، أعقبه تارة أخرى الأمر بالإنفاق في الجهاد بقوله { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم } وعن الحسن أنه مختص بالزكاة لأن قوله { من قبل أن يأتي يوم } كالوعيد وأنه لا يتوجه إلا على الواجب ، والأكثرون على أنه عام يتناول الواجب والمندوب . وليس في الآية وعيد وإنما الغرض أن يعلم أن منافع الآخرة لا تكتسب إلا في الدنيا ، وأن الإنسان يجيء وحده وما معه إلا ما قدم من أعماله .

ومعنى قوله { لا بيع } أنه لا تجارة فيه فيكتسب ما يفتدى به من العذاب ، أو يكتسب مالاً حتى ينفق منه ، { ولا خلة } لا مودة ، لأن كلّ أحد يكون مشغولاً بنفسه لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه ، أو لأن الخوف الشديد غالب على كل أحد يوم تذهل كل مرضعة عما أَرضعت . ثم إنه لما نفى الخلة والشفاعة مطلقاً ذكر عقيبه قوله { الكافرون هم الظالمون } ليدلّ على أن ذلك النفي مختص بالكافرين وعلى هذا فتصير الآية دالة على ثبوت الشفاعة في حق الفسَّاق . نقل عن عطاء بن يسار أنه كان يقول : الحمد لله الذي قال والكافرون هم الظالمون ، ولم يقل والظالمون هم الكافرون . وقيل أراد والتاركون الزكاة هم الظالمون ، لأنهم تركوا تقديم الخيرات ليوم فاقتهم ، فقال { والكافرون } للتغليظ كقوله { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين }[ آل عمران : 97 ] أي ومن لم يحج . وقيل المراد . إن الكافرين إذا دخلوا النار فالله لم يظلمهم بذلك ، بل هم الذين ظلموا أنفسهم باختيار الكفر والفسق . فهو كقوله { ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً }[ الكهف : 49 ] وقيل " الكافرون " هم الذين وضعوا الأمور في غير مواضعها لتوقعهم الشفاعة من الأصنام ، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله . وقيل المعنى والكافرون هم التاركون الإنفاق في سبيل الله من قوله { آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا }[ الكهف : 33 ] وأما المسلم فإنه ينفق في سبيل الله قل أم كثر . وفائدة الفصل أنهم الكاملون في الظلم البالغون فيه المبلغ العظيم .

/خ254