التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (254)

قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون ) يأمر الله بالإنفاق في سبيله بما يشمل كل وجوه الخير التي تتطلب مزيدا من السخاء والعطاء عن طواعية وطيب خاطر ، ويأتي في طليعة هذه الوجوه الجهاد في سبيل الله .

وقوله : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) وذلك تحضيض من الله لعباده المؤمنين من أجل المسارعة في الإنفاق قبل أن تفجأهم القيامة . وإذ ذاك تتبدل الحال غير الحال ، فلا بيع حينئذ ولا شراء ولا غير ذلك من تصرفات تعارف عليها الناس في حياتهم الدنيا ، إنه ليس إذ ذاك إلا الهلع والوجل وبلوغ القلوب الحناجر ؛ لفرط الرهب والخوف ولهول المنظر الواقع المشهود .

وكذلك فإنه لا ( خلة ) أي صداقة ومنها الخليل أي الصديق ، والجمع أخلاء . وخلّة بالفتح بمعنى الفقر والحاجة . وتأتي الخُلّة مضمومة أيضا ومعناها ما خلا من النبت . والخِلّة بالكسر بمعنى الخصلة ، أو ما يبقى بين الأسنان . والجمع خلال . والمقصود أنه إذا كانت القيامة فإنه لا تنفع أحدا صداقة صديق إذا أبطأ به عمله ، وكذلك فإنه لا تنفعه شفاعة الشافعين ؛ فلا شفاعة حينئذ إلا لمن جعلت له تشريفا من الله .

وقوله : ( والكافرون هم الظالمون ) ( الكافرون ) مبتدأ . ( هم ) ضمير الفصل . ( الظالمون ) خبر ، وقيل : ( الكافرون ) مبتدأ أول . ( هم ) مبتدأ ثان . ( الظالمون ) خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول . هذه الجملة غاية في روعة التركيب والمدلول ؛ لما فيها من حصر للمبتدأ في خبره ، فيكون المعنى أنه ليس من ظالم أشد ظلما من الكافر . ومن لطيف ما ورد عن عطاء بن دينار في هذه الآية قوله : الحمد لله الذي قال : ( والكافرون هم الظالمون ) ولم يقل : ( والظالمون هم الكافرون ) ولو قال ذلك لكان كل من ارتكب ظلما كافرا . وذلك غاية في الحرج والعسير .