تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (254)

ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

وهذا من لطف الله بعباده أن أمرهم بتقديم شيء مما رزقهم الله ، من صدقة واجبة ومستحبة ، ليكون لهم ذخرا وأجرا موفرا في يوم يحتاج فيه العاملون إلى مثقال ذرة من الخير ، فلا بيع فيه ولو افتدى الإنسان نفسه بملء الأرض ذهبا ليفتدي به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منه ، ولم ينفعه خليل ولا صديق لا بوجاهة ولا بشفاعة ، وهو اليوم الذي فيه يخسر المبطلون ويحصل الخزي على الظالمين ، وهم الذين وضعوا الشيء في غير موضعه ، فتركوا الواجب من حق الله وحق عباده وتعدوا الحلال إلى الحرام ، وأعظم أنواع الظلم الكفر بالله الذي هو وضع العبادة التي يتعين أن تكون لله فيصرفها الكافر إلى مخلوق مثله ، فلهذا قال تعالى : { والكافرون هم الظالمون } وهذا من باب الحصر ، أي : الذين ثبت لهم الظلم التام ، كما قال تعالى : { إن الشرك لظلم عظيم }