وهنالك الدليل الكوني المستمد من واقع الوجود : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) . .
فالكون قائم على الناموس الواحد الذي يربط بين أجزائه جميعا ؛ وينسق بين أجزائه جميعا ؛ وبين حركات هذه الأجزاء وحركة المجموع المنظم . . هذا الناموس الواحد من صنع إرادة واحدة لإله واحد . فلو تعددت الذوات لتعددت الإرادات . ولتعددت النواميس تبعا لها - فالإرادة مظهر الذات المريدة . والناموس مظهر الإرادة النافذة - ولانعدمت الوحدة التي تنسق الجهاز الكوني كله ، وتوحد منهجه واتجاهه وسلوكه ؛ ولوقع الاضطراب والفساد تبعا لفقدان التناسق . . هذا التناسق الملحوظ الذي لا ينكره أشد الملحدين لأنه واقع محسوس .
وإن الفطرة السليمة التي تتلقي إيقاع الناموس الواحد للوجود كله ، لتشهد شهادة فطرية بوحدة هذا الناموس ، ووحدة الإرادة التي أوجدته ، ووحدة الخالق المدبر لهذا الكون المنظم المنسق ، الذي لا فساد في تكوينه ، ولا خلل في سيره :
( فسبحان الله رب العرش عما يصفون ) . .
وهم يصفونه بأن له شركاء . تنزه الله المتعالى المسيطر : ( رب العرش )والعرش رمز الملك والسيطرة والاستعلاء . تنزه عما يقولون والوجود كله بنظامه وسلامته من الخلل والفساد يكذبهم فيما يقولون .
ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السموات الأرض ، فقال { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ }
أي : في السماء والأرض ، { لَفَسَدَتَا } ، كقوله تعالى : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 91 ] ، وقال هاهنا : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي : عما يقولون إن له ولدًا أو شريكًا ، سبحانه وتعالى وتقدس وتنزه عن الذي يفترون ويأفكون علوًا كبيرًا .
القول في تأويل قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاّ اللّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللّهِ رَبّ الْعَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ } .
يقول تعالى ذكره : لو كان في السموات والأرض آلهة تصلح لهم العبادة سوى الله الذي هو خالق الأشياء ، وله العبادة والألوهة التي لا تصلح إلا له لَفَسَدَتا يقول : لفسد أهل السموات والأرض . فَسُبْحانَ اللّهِ رَبّ العَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ يقول جلّ ثناؤه : فتنزيه لله وتبرئة له مما يفتري به عليه هؤلاء المشركون به من الكذب . كما :
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلاّ اللّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللّهِ رَبّ العَرْشِ عَمّا يَصِفُونَ يسبح نفسه إذْ قيل عليه البهتان .
ثم بين تعالى أمر التمانع بقوله { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدنا }{[8204]} وذلك بأنه كان يبغي بعضهم على بعض ويذهب بما خلق ، واقتضاب القول في هذا أن الإلهين لو فرضنا فوقع بينهما الاختلاف في تحريك جرم وتسكينه فمحال أن تتم الإرادتان ومحال أن لا تتم جميعاً ، وإذا تمت الواحدة كان صاحب الأخرى عاجزاً ، وهذا ليس بإله ، وجواز الاختلاف عليهما بمنزلة وقوعه منهما ونظر آخر وذلك أن كل جزء يخرج من العدم إلى الوجود فمحال أن يتعلق به قدرتان ، فإذا كانت قدرة أحدهما موجدة بقي الآخر فضلاً لا معنى له في ذلك الجزء ، ثم يتمادى النظر هكذا جزءاً جزءاً ثم نزه تعالى نفسه عما وصفه أهل الجهالة والكفر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.