وحين ننظر اليوم من وراء الأجيال المتطاولة إلى تلك الليلة المجيدة السعيدة ، ونتصور ذلك المهرجان العجيب الذي شهدته الأرض في هذه الليلة ، ونتدبر حقيقة الأمر الذي تم فيها ، ونتملى آثاره المتطاولة في مراحل الزمان ، وفي واقع الأرض ، وفي تصورات القلوب والعقول . . فإننا نرى أمرا عظيما حقا . وندرك طرفا من مغزى هذه الإشارة القرآنية إلى تلك الليلة : ( وما أدراك ما ليلة القدر ? ) . .
ولقد فرق فيها من كل أمر حكيم . وقد وضعت فيها من قيم وأسس وموازين . وقد قررت فيها من أقدار أكبر من أقدار الأفراد . أقدار أمم ودول وشعوب . بل أكثر وأعظم . . أقدار حقائق وأوضاع وقلوب !
ولقد تغفل البشرية - لجهالتها ونكد طالعها - عن قدر ليلة القدر . وعن حقيقة ذلك الحدث ، وعظمة هذا الأمر . وهي منذ أن جهلت هذا وأغفلته فقدت أسعد وأجمل آلاء الله عليها ، وخسرت السعادة والسلام الحقيقي - سلام الضمير وسلام البيت وسلام المجتمع - الذي وهبها إياه الإسلام . ولم يعوضها عما فقدت ما فتح عليها من أبواب كل شيء من المادة والحضارة والعمارة . فهي شقية ، شقية على الرغم من فيض الإنتاج وتوافر وسائل المعاش !
لقد انطفأ النور الجميل الذي أشرق في روحها مرة ، وانطمست الفرحة الوضيئة التي رفت بها وانطلقت إلى الملأ الأعلى . وغاب السلام الذي فاض على الأرواح والقلوب . فلم يعوضها شيء عن فرحة الروح ونور السماء وطلاقة الرفرفة إلى عليين . .
ونحن - المؤمنين - مأمورون أن لا ننسى ولا نغفل هذه الذكرى ؛ وقد جعل لنا نبينا صلى الله عليه وسلم سبيلا هينا لينا لاستحياء هذه الذكرى في أرواحنا لتظل موصولة بها أبدا ، موصولة كذلك بالحدث الكوني الذي كان فيها . . وذلك فيما حثنا عليه من قيام هذه الليلة من كل عام ، ومن تحريها والتطلع إليها في الليالي العشر الأخيرة من رمضان . . في الصحيحين : " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " . . وفي الصحيحين كذلك : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " . .
والإسلام ليس شكليات ظاهرية . ومن ثم قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في القيام في هذه الليلة أن يكون " إيمانا واحتسابا " . . وذلك ليكون هذا القيام استحياء للمعاني الكبيرة التي اشتملت عليها هذه الليلة " إيمانا " وليكون تجردا لله وخلوصا " واحتسابا " . . ومن ثم تنبض في القلب حقيقة معينة بهذا القيام . ترتبط بذلك المعنى الذي نزل به القرآن .
والمنهج الإسلامي في التربية يربط بين العبادة وحقائق العقيدة في الضمير ، ويجعل العبادة وسيلة لاستحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حية تتخلل المشاعر ولا تقف عند حدود التفكير .
وقد ثبت أن هذا المنهج وحده هو أصلح المناهج لإحياء هذه الحقائق ومنحها الحركة في عالم الضمير وعالم السلوك . وأن الإدراك النظري وحده لهذه الحقائق بدون مساندة العبادة ، وعن غير طريقها ، لا يقر هذه الحقائق ، ولا يحركها حركة دافعة في حياة الفرد ولا في حياة الجماعة . .
وهذا الربط بين ذكرى ليلة القدر وبين القيام فيها إيمانا واحتسابا ، هو طرف من هذا المنهج الإسلامي الناجح القويم .
وقوله : { سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } قال سعيد بن منصور : حدثنا هُشَيْم ، عن أبي إسحاق ، عن الشعبي في قوله تعالى : { مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } قال : تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد ، حتى يطلع الفجر .
وروى ابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرأ : { من كل امرئ سلام هي حتى مطلع الفجر } .
وروى البيهقي في كتابه " فضائل الأوقات " عن عليٍّ أثرًا غريبًا في نزول الملائكة ، ومرورهم على المصلين ليلة القدر ، وحصول البركة للمصلين .
وروى ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار أثرًا غريبًا عجيبًا مطولا جدًا ، في تنزل الملائكة من سدرة المنتهى صحبة جبريل ، عليه السلام ، إلى الأرض ، ودعائهم للمؤمنين والمؤمنات{[30277]} .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا عمران - يعني القطان - عن قتادة ، عن أبي ميمونة ، عن أبي هُريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر : " إنها ليلة سابعة - أو : تاسعة - وعشرين ، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى " {[30278]} .
وقال الأعمش ، عن المِنهَال ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله : { مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ } قال : لا يحدث فيها أمر .
وقال قتادة وابن زيد في قوله : { سَلامٌ هِيَ } يعني{[30279]} هي خير كلها ، ليس{[30280]} فيها شر إلى مطلع الفجر . ويؤيد هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد :
حدثنا حَيْوَة{[30281]} بن شُرَيح ، حدثنا بَقِيَّة ، حدثني بَحير بن سعد ، عن خالد بن مَعْدَان ، عن عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليلة القدر في العشر البواقي ، من قامهن ابتغاء حسبتهن ، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وهي ليلة وتر : تسع ، أو سبع ، أو خامسة ، أو ثالثة ، أو آخر ليلة " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بَلْجَة ، كأن فيها قمرًا ساطعًا ، ساكنة سجية ، لا برد فيها ولا حر ، ولا يحل لكوكب يُرمَى به فيها حتى تصبح . وأن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ، ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ " {[30282]} . وهذا إسناد حسن ، وفي المتن غرابة ، وفي بعض ألفاظه نكارة .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا زَمْعَة ، عن سلمة بن وَهْرام ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر : " ليلة سمحة طلقة ، لا حارة ولا باردة ، وتصبح شمس{[30283]} صبيحتها ضعيفة حمراء " {[30284]} .
وروى ابن أبي عاصم النبيل بإسناده عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني رأيت ليلة القدر فأنسيتها ، وهي في العشر الأواخر ، من لياليها ليلة{[30285]} طلقة بلجة ، لا حارة ولا باردة ، كأن فيها قمرًا ، لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها " {[30286]} .
اختلف العلماء : هل كانت ليلة القدر في الأمم السالفة ، أو هي من خصائص هذه الأمة ؟ على قولين :
قال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري : حدثنا مالك أنه بلغه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُري أعمار الناس قبله - أو : ما شاء الله من ذلك - فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر{[1]} وقد أسند من وجه آخر .
وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر ، وقد نقله صاحب " العُدّة " أحد أئمة الشافعية عن جمهور العلماء ، فالله أعلم . وحكى الخطابي عليه الإجماع [ ونقله الرافعي جازمًا به عن المذهب ]{[2]} والذي دل عليه الحديث أنها كانت في الأمم الماضين كما هي في أمتنا .
قال أحمد بن حنبل : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عكرمة بن عمار : حدثني أبو زُمَيل سِمَاك الحَنَفي : حدثني مالك بن مَرْثَد بن عبد الله ، حدثني مَرْثَد قال : سألت أبا ذر قلت : كيف سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر ؟ قال : أنا كنت أسأل الناس عنها ، قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن ليلة القدر ، أفي رمضان هي أو في غيره ؟ قال : " بل هي في رمضان " . قلت : تكون مع الأنبياء ما كانوا ، فإذا قبضوا رفعت ؟ أم هي إلى يوم القيامة ؟ قال : " بل هي إلى يوم القيامة " . قلت : في أي رمضان هي ؟ قال : " التمسوها في العشر الأول ، والعشر الأواخر " . ثم حَدّثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وحَدّث ، ثم اهتبلت غفلته قلت : في أي العشرين هي ؟ قال : " ابتغوها في العشر الأواخر ، لا تسألني عن شيء بعدها " . ثم حدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم اهتبلت غفلته فقلت : يا رسول الله ، أقسمت عليك بحقي عليك لَمَا أخبرتني في أي العشر هي ؟ فغضب علي غضبًا لم يغضب مثله منذ صحبته ، وقال : " التمسوها في السبع الأواخر ، لا تسألني عن شيء بعدها " ، ورواه النسائي عن الفلاس ، عن يحيى بن سعيد القطان ، به{[3]} .
ففيه دلالة على ما ذكرناه ، وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة [ بعد النبي صلى الله عليه وسلم ]{[4]} لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية ، على ما فهموه من الحديث الذي سنورده بعدُ من قوله ، عليه السلام : " فرفعت ، وعسى أن يكون خيرًا لكم " ؛ لأن المراد رفعُ عِلْم وقتها عينًا . وفيه دلالة على أنها ليلة القدر ، يختص{[5]} وقوعها بشهر رمضان من بين سائر الشهور ، لا كما رُوي عن ابن مسعود ومن تابعه من علماء أهل الكوفة ، من أنها توجد في جميع السنة ، وترجى في جميع الشهور على السواء .
وقد ترجم أبو داود في سننه على هذا فقال : " باب بيان أن ليلة القدر في كل رمضان " : حدثنا حُمَيد بن زَنْجُويه النسائي{[6]} أخبرنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، حدثني موسى بن عقبة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عمر قال : سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر ، فقال : " هي في كل رمضان " . وهذا إسناد رجاله ثقات ، إلا أن أبا داود قال : رواه شعبة وسفيان عن أبي إسحاق فأوقفاه .
وقد حكي عن أبي حنيفة ، رحمه الله ، رواية أنها ترجى{[7]} في جميع شهر رمضان ، وهو وجه [ حكاه ]{[8]} الغزالي ، واستغربه الرافعي جدًا .
ثم قد قيل : إنها في أول ليلة من شهر رمضان ، يحكى هذا عن أبي رَزِين . وقيل : إنها تقع ليلة سبع عشرة . وروى فيه أبو داود حديثًا مرفوعًا عن ابن مسعود . وروي موقوفًا عليه ، وعلى زيد بن أرقم ، وعثمان بن أبي العاص .
وهو قول عن محمد بن إدريس الشافعي ، ويحكى عن الحسن البصري . ووجهوه بأنها ليلة بدر ، وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشرة{[9]} من شهر رمضان ، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر ، وهو اليوم الذي قال الله تعالى فيه : { يَوْمَ الْفُرْقَانِ } [ الأنفال : 41 ] .
وقيل : ليلة تسع عشرة ، يحكى عن علي وابن مسعود أيضًا ، رضي الله عنهما .
وقيل : ليلة إحدى وعشرين ؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال : اعتكف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم [ في ]{[10]} العشر الأوَل من رمضان ، واعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك . فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : [ إن ]{[11]} الذي تطلب أمامك . ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان ، فقال : " من كان اعتكف معي فليرجع ، فإني رأيت ليلة القدر ، وإني أنسيتها ، وإنها{[12]} في العشر الأواخر وفي وِتْر ، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء " . وكان سقف المسجد جريدًا من النخل ، وما نَرى في السماء شيئًا ، فجاءت قَزَعَة فَمُطرنا ، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه . وفي لفظ : " في صبح إحدى وعشرين " أخرجاه في الصحيحين{[13]} . قال الشافعي : وهذا الحديث أصح الروايات .
وقيل : ليلة ثلاث وعشرين ؛ لحديث عبد الله بن أنيس{[14]} في " صحيح مسلم " {[15]} وهو قريب السياق من رواية أبي سعيد ، فالله أعلم .
وقيل : ليلة أربع وعشرين ، قال أبو داود الطيالسي : حدثنا حماد بن سلمة ، عن الجُرَيري ، عن أبي نَضْرَة ، عن أبي سعيد ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليلة القدر ليلة أربع وعشرين " {[16]} إسناده رجاله ثقات .
وقال أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن يزيد بن أبي حَبِيب ، عن أبي الخير ، عن الصنابحي ، عن بلال قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليلة القدر ليلة أربع وعشرين " {[17]} . ابن لهيعة ضعيف . وقد خالفه ما رواه البخاري عن أصبغ ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث بن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن أبي عبد الله الصنابحي قال : أخبرني بلال - مؤذنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنها أول السبع من العشر الأواخر ، فهذا الموقوف أصح ، والله أعلم . وهكذا رُوي عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وجابر ، والحسن ، وقتادة ، وعبد الله بن وهب : أنها ليلة أربع وعشرين . وقد تقدم في سورة " البقرة " {[18]} حديث واثلة بن الأسقع مرفوعًا : " إن القرآن أنزل ليلة أربع وعشرين " .
وقيل : تكون ليلة خمس وعشرين ؛ لما رواه البخاري ، عن عبد الله بن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى " . فَسَّره كثيرون بليالي الأوتار ، وهو أظهر وأشهر . وحمله آخرون على الأشفاع كما رواه مسلم عن أبي سعيد ، أنه حمله على ذلك . والله أعلم .
وقيل : إنها تكون ليلة سبع وعشرين ؛ لما رواه مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنها ليلة سبع وعشرين " .
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان : سمعت عبدة وعاصمًا ، عن زِرّ : سألت أبيّ بن كعب قلت : أبا المنذر ، إن أخاك ابن مسعود يقول : من يُقِم الحَولَ يُصبْ ليلة القدر . قال : يرحمه الله ، لقد علم أنها في شهر رمضان ، وأنها ليلة سبع وعشرين . ثم حلف . قلت : وكيف تعلمون ذلك ؟ قال : بالعلامة - أو : بالآية - التي أخبرنا بها ، تطلع ذلك اليوم لا شعاع لها ، أعني الشمس{[19]} .
وقد رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة وشعبة والأوزاعي ، عن عبدة ، عن زِرّ ، عن أبي ، فذكره ، وفيه : فقال : والله الذي لا إله إلا هو ، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - والله إني لأعلم أي ليلة القدر هي التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، هي ليلة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها{[20]} .
وفي الباب عن معاوية ، وابن عمر ، وابن عباس ، وغيرهم{[21]} عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنها ليلة سبع وعشرين . وهو قول طائفة من السلف ، وهو الجَادّة من مذهب أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، وهو رواية عن أبي حنيفة أيضًا . وقد حُكِيَ عن بعض السلف أنه حاول استخراج كونها ليلة سبع وعشرين من القرآن ، من قوله : { هِيَ } لأنها الكلمة السابعة والعشرون من السورة ، والله أعلم .
وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدَّبري ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن قتادة وعاصم : أنهما سمعا عكرمة يقول : قال ابن عباس : دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد{[22]} صلى الله عليه وسلم ، فسألهم عن ليلة القدر ، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر . قال ابن عباس : فقلت لعمر : إني لأعلم - أو : إني لأظن - أي ليلة القدر هي ؟ فقال عمر : أي ليلة هي ؟ [ فقلت ]{[23]} سابعة تمضي - أو : سابعة تبقى - من العشر الأواخر . فقال عمر : ومن أين علمت ذلك ؟ قال ابن عباس : فقلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضين ، وسبعة أيام ، وإن الشهر يدور على سبع ، وخلق الإنسان من سبع ، ويأكل من سبع ، ويسجد على سبع ، والطواف بالبيت سبع ، ورمي الجمار سبع . . . لأشياء ذكرها . فقال عمر : لقد فطنت لأمر ما فطنا له . وكان قتادة يَزيد عن ابن عباس في قوله : ويأكل من سبع ، قال : هو قول الله تعالى : { فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا [ وَقَضْبًا ] } {[24]} الآية [ عبس : 27 ، 28 ]{[25]} . وهذا إسناد جيد قوي ، ونصٌ{[26]} غريب جدًّا ، والله أعلم .
وقيل : إنها تكون في ليلة تسع وعشرين . قال أحمد بن حنبل : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا سعيد بن سلمة ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عُمرَ بن عبد الرحمن ، عن عبادة بن الصامت : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " في رمضان ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، فإنها في وتْر إحدى وعشرين ، أو ثلاث وعشرين ، أو خمس وعشرين ، أو سبع وعشرين ، [ أو تسع وعشرين ]{[27]} أو في آخر ليلة " {[28]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود - وهو : أبو داود الطيالسي - حدثنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن أبي ميمونة{[29]} عن أبي هريرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر : " إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين ، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى " {[30]} . تفرد به أحمد ، وإسناده لا بأس به .
وقيل : إنها تكون في آخر ليلة ، لما تقدم من هذا الحديث آنفًا{[31]} ولما رواه الترمذي والنسائي ، من حديث عُيَينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " في تسع يبقين ، أو سبع يبقين ، أو خمس يبقين ، أو ثلاث ، أو آخر ليلة " . يعني : التمسوا ليلة القدر{[32]} .
وقال الترمذي : حسن صحيح . وفي المسند من طريق أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر : " إنها آخر ليلة " {[33]} .
قال [ الإمام ]{[34]} الشافعي في هذه الروايات : صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم جوابًا للسائل إذ قيل له : ألتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية ؟ يقول : " نعم " . وإنما ليلة القدر ليلة مُعَيَّنة لا تنتقل . نقله الترمذي عنه بمعناه . وروي عن أبي قِلابَة أنه قال : ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر{[35]} .
وهذا الذي حكاه عن أبي قلابة نص عليه مالك ، والثوري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور ، والمزني ، وأبو بكر بن خُزَيمة ، وغيرهم . وهو محكي عن الشافعي - نقله القاضي عنه ، وهو الأشبه - والله أعلم .
وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين ، عن عبد الله بن عُمر : أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان مُتحريها فَلْيَتَحرها في السبع الأواخر " {[36]} .
وفيها أيضًا عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تَحَرَّوْا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " {[37]} ولفظه للبخاري .
ويحتج للشافعي أنها لا تنتقل ، وأنها معينة من الشهر ، بما رواه البخاري في صحيحه ، عن عبادة بن الصامت قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر ، فَتَلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : " خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان ، فرفعت ، وعسى أن يكون خيرًا لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " {[38]} .
وجه الدلالة منه : أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين ، لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة ، إذا{[39]} لو كانت تنتقل لما علموا تَعيُّنها إلا ذلك العام فقط ، اللهم إلا أن يقال : إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط .
وقوله : " فتلاحى فلان وفلان فرفعت " : فيه استئناس لما يقال : إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع ، وكما جاء في الحديث : " إن العبد ليُحْرَم الرزقَ بالذَّنْبِ يُصِيبه " .
وقوله : " فرفعت " أي : رفع علم تَعينها لكم ، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود ، كما يقوله جهلة الشيعة ؛ لأنه قد قال بعد هذا : " فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " .
وقوله : " وعسى أن يكون خيرًا لكم " يعني : عدم تعيينها لكم ، فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طُلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها ، فكان أكثر للعبادة ، بخلاف ما إذا علموا{[40]} عينها فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط . وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها ، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر{[41]} أكثر . ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، حتى توفاه الله ، عز وجل . ثم اعتكف أزواجهُ من بعده . أخرجاه من حديث عائشة{[42]} .
ولهما عن ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان{[43]} .
وقالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ، أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وشد المئزر . أخرجاه{[44]} .
ولمسلم عنها{[45]} كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره {[46]} .
وهذا معنى قولها : " وشد المئزر " . وقيل : المراد بذلك : اعتزال النساء . ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين ، لما رواه الإمام أحمد : حدثنا سُرَيج ، حدثنا أبو مَعْشَر ، عن هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي عشر من رمضان شَدَّ مئزره ، واعتزل نساءه . انفرد به أحمد{[47]} .
وقد حكي عن مالك ، رحمه الله ، أن جميع ليالي العشر في تطلب ليلة القدر على السواء ، لا يترجح منها ليلة على أخرى ، رأيته في شرح الرافعي ، رحمه الله .
والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات ، وفي شهر رمضان أكثر ، وفي العشر الأخير منه ، ثم في أوتاره أكثر . والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء : " اللهم ، إنك عَفُوٌّ تحب العفو ، فاعف عني " ؛ لما رواه الإمام أحمد : حدثنا يزيد - هو ابن هارون - حدثنا الجريري{[48]} - وهو سعيد بن إياس - عن عبد الله بن بُريدة ، أن عائشة قالت : يا رسول الله ، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو ؟ قال : " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني " {[49]} .
وقد رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، من طريق كَهْمَس بن الحسن ، عن عبد الله بن بريدة ، عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن علمْتُ أي ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال : " قولي : اللهم ، إنك عَفُو تحب العفو ، فاعف عني " {[50]} .
وهذا لفظ الترمذي ، ثم قال : " هذا حديث حسن صحيح " . وأخرجه الحاكم في مستدركه ، وقال : " هذا صحيح على شرط الشيخين " {[51]} ورواه النسائي أيضًا من طريق سفيان الثوري ، عن علقمة بن مَرثَد ، عن سليمان بن بُرَيدة عن عائشة قالت : يا رسول الله ، أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال : " قولي : اللهم إنك عَفُو تحب العفو ، فاعف عني " {[52]} .
ذكر أثر غريب ونبأ عجيب ، يتعلق بليلة القدر ، رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم ، عند تفسير هذه السورة الكريمة فقال :
حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد القَطواني ، حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا موسى بن سعيد - يعني الراسبي - عن هلال أبي جبلة ، عن أبي عبد السلام ، عن أبيه ، عن كعب أنه قال : إن سدرة المنتهى على حد السماء السابعة ، مما يلي الجنة ، فهي على حَدّ هواء الدنيا وهواء الآخرة ، عُلوها في الجنة ، وعروقها وأغصانها من تحت الكرسي ، فيها ملائكة لا يعلم عدّتهم{[53]} إلا الله ، عز وجل ، يعبدون الله ، عز وجل ، على أغصانها في كل موضع شعرة منها ملك . ومقام جبريل ، عليه السلام ، في وسطها ، فينادي الله جبريل أن ينزل في كل ليلة قَدْر مع الملائكة الذين يسكنون سدرة المنتهى ، وليس فيهم ملك إلا قد أعطى الرأفة والرحمة للمؤمنين ، فينزلون على{[54]} جبريل في ليلة القدر حين تغرب الشمس ، فلا تبقى بقعة في ليلة القدر إلا وعليها ملك ، إما ساجد وإما قائم ، يدعو للمؤمنين والمؤمنات ، إلا أن تكون كنيسة ، أو بيعة ، أو بيت نار أو وثن ، أو بعض أماكنكم التي تطرحون فيها الخبَث ، أو بيت فيه سكران ، أو بيت فيه مُسكر ، أو بيت فيه وثن منصوب ، أو بيت فيه جرس مُعَلّق ، أو مبولة ، أو مكان فيه كساحة البيت ، فلا يزالون ليلتهم تلك يدعون للمؤمنين والمؤمنات ، وجبريل لا يدع أحدًا من المؤمنين{[55]} إلا صافحه ، وعلامة ذلك مَن اقشعر جلدهُ ، ورقّ قلبه ، ودَمعَت عيناه ، فإن ذلك من مصافحة جبريل .
وذكر كعب أنه من قال في ليلة القدر : " لا إله إلا الله " ، ثلاث مرات ، غَفَر الله له بواحدة ، ونجا من النار بواحدة ، وأدخله الجنة بواحدة . فقلنا لكعب الأحبار : يا أبا إسحاق ، صادقًا ؟ فقال كعب{[56]} وهل يقول : " لا إله إلا الله " في ليلة القدر إلا كل صادق ؟ والذي نفسي بيده ، إن ليلة القدر لتثقل على الكافر والمنافق ، حتى كأنها على ظهره جبل ، فلا تزال الملائكة هكذا حتى يطلع الفجر . فأول من يصعد جبريل حتى يكون في وجه الأفق الأعلى من الشمس ، فيبسط جناحيه - وله جناحان أخضران ، لا ينشرهما إلا في تلك الساعة - فتصير الشمس لا شعاع لها ، ثم يدعو مَلَكًا{[57]} فيصعد ، فيجتمع نور الملائكة ونور جناحي جبريل ، فلا تزال الشمس يومها ذلك متحيرة ، فيقيم جبريل ومن معه بين الأرض وبين السماء الدنيا يومهم ذلك ، في دعاء ورحمة واستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، ولمن صام رمضان احتسابًا ، ودعاء لمن حَدث نفسه إن عاش إلى قابل صام رمضان لله . فإذا أمسوا{[58]} دخلوا السماء الدنيا ، فيجلسون حلقًا [ حلقا ]{[59]} فتجتمع إليهم ملائكة سماء الدنيا ، فيسألونهم عن رجل رجل ، وعن امرأة امرأة{[60]} فيحدثونهم حتى يقولوا : ماذا فعل فلان ؟ وكيف وجدتموه العامَ ؟ فيقولون : وجدنا فلانا عام أول في هذه الليلة متعبدًا ووجدناه العام مبتدعًا ، ووجدنا فلانا مبتدعًا ووجدناه العام عابدًا ، قال : فيكفون عن الاستغفار لذلك ، ويقبلون على الاستغفار لهذا ، ويقولون : وجدنا فلانا وفلانا يذكران الله ، ووجدنا فلانًا راكعًا ، وفلانًا ساجدًا ، ووجدناه تاليا لكتاب الله . قال : فهم كذلك يومهم وليلتهم ، حتى يصعدون إلى السماء الثانية ، ففي كل سماء يوم وليلة ، حتى ينتهوا مكانهم من{[61]} سدرة المنتهى ، فتقول لهم سدرة المنتهى : يا سكاني ، حدثوني عن الناس وسموهم لي . فإن لي عليكم حقًا ، وإني أحبُّ من أحبَّ الله . فذكر كعب الأحبار أنهم يَعدُون لها ، ويحكون لها الرجل والمرأة بأسمائهم وأسماء آبائهم . ثم تقبل الجنة على السدرة فتقول : أخبرني بما أخبرك{[62]} سكانك من الملائكة . فتخبرها ، قال : فتقول الجنة : رحمة الله على فلان ، ورحمة الله على فلانة ، اللهم عجِّلهم إليَّ ، فيبلغ جبريل مكانه قبلهم ، فيلهمه الله فيقول : وجدت فلانًا ساجدًا فاغفر له . فيغفر له ، فيسمعُ جبريلُ جميعَ حملة العرش فيقولون : رحمة الله على فلان ، ورحمة الله على فلانة ، ومغفرته{[63]} لفلان ، ويقول{[64]} يا رب ، وجدت عبدك فلانًا الذي وجدته عام أول على السُنَّة والعبادة ، ووجدته العام قد أحدث حدثًا وتولى عما أمر به . فيقول الله : يا جبريل ، إن تاب فأعتبني قبل أن يموت بثلاث ساعات غفرت له . فيقول جبريل : لك الحمد إلهي ، أنت أرحم من جميع خلقك ، وأنت أرحم بعبادك من عبادك بأنفسهم ، قال : فيرتج العرش وما حوله ، والحجب والسموات ومن فيهن ، تقول : الحمد لله الرحيم ، الحمد لله الرحيم .
قال : وذكر كعب أنه من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر بعد رمضان ألا يعصي الله دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب .
آخر تفسير سورة " ليلة القدر " [ ولله الحمد والمنة ]{[65]} .
وقوله : { سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } سلام ليلة القدر من الشرّ كله من أوّلها إلى طلوع الفجر من ليلتها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { سَلامٌ هِيَ } قال : خير حَتى مَطْلَعِ الْفَجْرِ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة " مِنْ كُل أمْرٍ { سَلامٌ هِيَ } " أي هي خير كلها إلى مطلع الفجر .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد { سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } قال : من كلّ أمرٍ سلام .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { سَلامٌ هِيَ } قال : ليس فيها شيء ، هي خير كلها حتى مَطْلَعِ الْفَجْرِ .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ ، قال : حدثنا عبد الحميد الحِمّانيّ ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيَلى ، في قوله : " مِنْ كُلّ أمْرٍ { سَلامٌ هِيَ } " قال : لا يحدث فيها أمر .
وعُنِي بقوله : { حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } : إلى مطلع الفجر .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار ، سوى يحيى بن وثاب والأعمش والكسائيّ { مَطْلَعِ الْفَجْرِ } بفتح اللام ، بمعنى : حتى طلوع الفجر ، تقول العرب : طلعت الشمس طلوعا ومَطْلَعا . وقرأ ذلك يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي : { حَتّى مَطْلِعِ الْفَجْرِ } بكسر اللام ، توجيها منهم ذلك إلى الاكتفاء بالاسم من المصدر ، وهم ينوون بذلك المصدر .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا : فتح اللام لصحة معناه في العربية ، وذلك أن المطلَع بالفتح هو الطلوع ، والمطلِع بالكسر : هو الموضع الذي تَطْلُع منه ، ولا معنى للموضع الذي تطلع منه في هذا الموضع .