في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (17)

16

( وآتيناهم بينات من الأمر . . )

فكان ما أوتوه من الشريعة بينا حاسماً فاصلاً ، لا غموض فيه ولا لبس ولا عوج ولا انحراف ؛ فلم يكن هناك ما يدعو إلى الاختلاف في هذا الشرع البين كما وقع منهم ؛ وما كان هذا عن غموض في الأمر ، ولا كان عن جهل منهم بالصحيح من الحكم :

فما اختلفوا إلا من بعدما جاءهم العلم . .

إنما كان ذلك عن تحاسد بينهم ، ونزاع وظلم ، مع معرفة الحق والصواب :

( بغياً بينهم ) . .

وبذلك انتهت قيادتهم في الأرض ، وبطل استخلافهم ، وأمرهم بعد ذلك إلى الله يوم القيامة :

( إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (17)

{ بغيا بينهم } عداوة وحسدا فيما بينهم . والبغي : طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى ؛ والمذموم منه : تجاوز الحق إلى الباطل ؛ ومنه العداوة بغير حق ، والحسد على النعمة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (17)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وآتيناهم} آيات.

{بينات} واضحات.

{من الأمر} يعني أبين لهم في التوراة الحلال والحرام والسنة وبيان ما كان قبلهم، ثم اختلفوا في الدين بعد يوشع بن نون، فآمن بعضهم وكفر بعضهم.

{فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم} يعني البيان.

{بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} يعني في الدين يختلفون...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وأعطينا بني إسرائيل واضحات من أمرنا بتنزيلنا إليهم التوراة فيها تفصيل كل شيء "فَمَا اخْتَلَفُوا إلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ "طلبا للرياسات، وتركا منهم لبيان الله تبارك وتعالى في تنزيله.

وقوله: "إنّ رَبّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فِيما كانُوا فيهِ يَخْتَلِفُونَ"، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن ربك يا محمد يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بغيا بينهم يوم القيامة، فيما كانوا فيه في الدنيا يختلفون بعد العلم الذي آتاهم، والبيان الذي جاءهم منه، فيفلج المحقّ حينئذٍ على المبطل بفصل الحكم بينهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وآتيناهم بينات من الأمر} قال بعضهم: {بينات من الأمر} أي آيات من الأمر.

وقيل: {بينات من الأمر} أي ما بيّن لهم من الحلال والحرام والشُّبَه وأنباء من كان قبلهم، والله أعلم.

ويحتمل {بينات من الأمر} أي بيان ما تقع الحاجة إليه من الأمر.

وعندنا {بينات من الأمر} يخرّج على وجهين: أحدهما: أي بينات التكوين ودلالات لما جعل الله في نفس كل أحد من دلالات وحدانيته وألوهيته، أو ما أقام من الآيات في العالم على التكوين يدلّ على جعل الألوهية والربوبية له.

{فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم} على ما ذكرنا من أمر التكوين، أي ما اختلفوا في صرف الألوهية والوحدانية عن الله تعالى إلى غيره؛ إلا بعد ما جاءهم العلم أي الأمر إلا من بعد ما بيّن لهم أن الألوهية والربوبية بالدلالة الواضحة والحجة النّيِّرة، وأن له الخلق والأمر، إلا أنه ذكر العلم، وأراد به أسباب العلم ودلائله، والله أعلم.

والثاني: {وآتيناهم بينات من الأمر} أمر المجيء من الأمر والنهي والتحليل والتحريم وبيان ما يُؤتى وما يتّقى وما لهم وما عليهم. وقوله تعالى: {فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم} واختلافهم في ما امتُحنوا يتوجّه إلى وجوه:...

والثالث: في ما امتُحنوا من والتحليل والتحريم.

ثم يُخبر تعالى جلّ وعلا، أنهم ما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بالحق في ذلك والبيان أنه من الله، وأن ما هم عليه باطل مُضمحلّ.

ثم أخبر أن اختلافهم إنما هو لبغي بينهم وحسد، حملهم ذلك على الاختلاف في ما بينهم.

{يقضي بينهم يوم القيامة} يحتمل وجهين: أحدهما: أي يجزيهم في الآخرة جزاء اختلافهم في الدنيا.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{بينات} آيات ومعجزات. {مِنَ الأمر} من أمر الدين، فما وقع بينهم الخلاف في الدين {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ} ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم. وإنما اختلفوا لبغي حدث بينهم، أو لعداوة وحسد.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله تعالى: {فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} وهذا مفسر في سورة {حم * عسق} والمقصود من ذكر هذا الكلام التعجب من هذه الحالة؛ لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الخلاف، وهاهنا صار مجيء العلم سببا لحصول الاختلاف، وذلك لأنهم لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم، وإنما المقصود منه طلب الرياسة والتقدم، ثم هاهنا احتمالات يريد أنهم علموا ثم عاندوا، ويجوز أن يريد بالعلم الدلالة التي توصل إلى العلم، والمعنى أنه تعالى وضع الدلائل والبينات التي لو تأملوا فيها لعرفوا الحق، لكنهم على وجه الحسد والعناد اختلفوا وأظهروا النزاع.

{إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} والمراد أنه لا ينبغي أن يغتر المبطل بنعم الدنيا، فإنها وإن ساوت نعم المحق أو زادت عليها، فإنه سيرى في الآخرة ما يسوؤه، وذلك كالزجر لهم، ولما بين تعالى أنهم أعرضوا عن الحق؛ لأجل البغي والحسد، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعدل عن تلك الطريقة، وأن يتمسك بالحق، وأن لا يكون له غرض سوى إظهار الحق وتقرير الصدق، فقال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وآتيناهم} مع ذلك {بينات من الأمر} الموحى به إلى أنبيائهم من الأدلة القطعية والأحكام والمواعظ المؤيدة بالمعجزات، ومن صفات الأنبياء الآتين بعدهم وغير ذلك مما هو في غاية الوضوح لمن قضينا بسعادته، وذلك أمر يقتضي الألفة والاجتماع وقد- كانوا متفقين وهم في زمن الضلال لا يختلفون إلا اختلافاً يسيراً لا يضر مثله ولا يعد اختلافاً.

ولما كان حالهم بعد هذا الإيتاء مجملاً، فصله فقال تعالى: {فما اختلفوا} أي أوقعوا الاختلاف والافتراق بغاية جهدهم.

ولما لم يكن اختلافهم مستغرقاً لجميع الزمن الذي بعد الإيتاء، أثبت الجار فقال: {إلا من بعد ما جاءهم العلم} الذي من شأنه الجمع على المعلوم، فكان ما هو سبب الاجتماع سبباً لهم في الافتراق؛ لأن الله تعالى أراد ذلك وهو عزيز.

ولما كان هذا عجباً، بين علته محذراً من مثلها فقال: {بغياً} أي للمجاوزة في الحدود التي اقتضاها لهم طلب الرئاسة والحسد وغيرهما من نقائص النفوس.

ولما كان البغي على البعيد مذموماً، زاده عجباً بقوله: {بينهم} واقعاً فيهم لم يعدهم إلى غيرهم، وقد كانوا قبل ذلك وهم تحت أيدي القبط في غاية الاتفاق واجتماع الكلمة على الرضا بالذل، ولذلك استأنف قوله الذي اقتضاه الحال على ما يشاهده العباد من أفعال الملوك فيمن خالف أوامرهم، مؤكداً لأجل إنكارهم.

{إن ربك} أي المحسن إليك بإرسالك وتكثير أمتك وحفظهم مما ضل به القرون الأولى وبيان يوم الفصل الذي هو محط الحكمة بياناً لم يبينه على لسان أحد ممن سلف.

{يقضي بينهم} بإحصاء الأعمال والجزاء عليها؛ لأن هذا مقتضى الحكمة والعزة

{يوم القيامة} الذي ينكره قومك الذين شرفناهم برسالتك مع أنه لايجوز في الحكمة إنكاره.

{فيما كانوا} أي بما هو لهم كالجبلة.

{فيه يختلفون} بغاية الجهد متعمدين له، بخلاف ما كان يقع منهم خطأ فإنه يجوز في الحكمة أن يتفضل عليهم بالعفو عنه.

ومن التأكيد للوعد بذلك اليوم التعبير باسم الرب مضافاً إليه صلى الله عليه وسلم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

كان ما أوتوه من الشريعة بينا حاسماً فاصلاً، لا غموض فيه ولا لبس ولا عوج ولا انحراف؛ فلم يكن هناك ما يدعو إلى الاختلاف في هذا الشرع البين كما وقع منهم؛ وما كان هذا عن غموض في الأمر، ولا كان عن جهل منهم بالصحيح من الحكم: فما اختلفوا إلا من بعدما جاءهم العلم.. إنما كان ذلك عن تحاسد بينهم، ونزاع وظلم، مع معرفة الحق والصواب: (بغياً بينهم).. وبذلك انتهت قيادتهم في الأرض وبطل استخلافهم، وأمرهم بعد ذلك إلى الله يوم القيامة: (إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)...

.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا الكلام كناية عن عدم التعجيب من اختلاف المشركين مع المؤمنين حيث إن المشركين ليسوا على علم ولا هدى ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملطوف به في رسالته.

والبغي: الظلم. والمراد: أن اختلافهم عن عمد ومكابرة بعضهم لبعض وليس عن غفلة أو تأويل، وهذا الظلم هو ظلم الحسد فإن الحسد من أعظم الظلم، أي فكذلك حال نظرائهم من المشركين ما اختلفوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا بغياً منهم عليه مع علمهم بصدقه بدلالة إعجاز القرآن لفظاً ومعاني.

وانتصب {بغياً} إمّا على المفعول لأجله، وإمّا على الحال بتأويل المصدر باسم الفاعل، وعلى كلا الوجهين فالعامل فيه فعل {اختلفوا}، وإن كان منفياً في اللفظ؛ لأن الاستثناء أبطل النفي إذ ما أريد إلا نفي أن يكون الاختلاف في وقت قبل أن يحثهم العلم، فلما استفيد ذلك بالاستثناء صار الاختلاف ثابتاً وما عدا ذلك غير منفي.

وجملة {إن ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} مستأنفة استئنافاً بيانياً؛ لأن خبرَهم العجيب يثير سؤالاً في نفس سامعه عن جزاء الله إياهم على فعلهم، وهذا جواب فيه إجمال لتهويل ما سيُقضَى به بينهم في الخير والشر؛ لأن الخلاف يقتضي محقّاً ومبطلاً.

ونظير هذه الآية قوله تعالى: {ولقد بوَّأنا بني إسرائيل مُبَوّأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} في سورة يونس (93).

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (17)

{ وآتيناهم بينات من الأمر } يعني أحكام التوراة وبيان أمر النبى عليه السلام { فما اختلفوا } في نبوته { إلا من بعد ما جاءهم العلم } يعني ماعلموه من شأنه { بغيا بينهم } حسدا منهم له

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (17)

" وآتيناهم بينات من الأمر " قال ابن عباس : يعني أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وشواهد نبوته بأنه يهاجر من تهامة إلى يثرب ، وينصره أهل يثرب . وقيل : بينات الأمر شرائع واضحات في الحلال والحرام ومعجزات . " فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم " يريد يوشع بن نون ، فآمن بعضهم وكفر بعضهم ، حكاه النقاش . وقيل : " إلا من بعد ما جاءهم العلم " نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فيها . " بغيا بينهم " أي حسدا على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال معناه الضحاك . قيل : معنى " بغيا " أي بغى بعضهم على بعض بطلب الفضل والرياسة ، وقتلوا الأنبياء ، فكذا مشركو عصرك يا محمد ، قد جاءتهم البينات ولكن أعرضوا عنها للمنافسة في الرياسة . " إن ربك يقضي بينهم " أي يحكم ويفصل . " يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " في الدنيا .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (17)

{ وآتيناهم } مع ذلك{[58075]} { بينات من الأمر } الموحى به إلى أنبيائهم من الأدلة القطعية والأحكام والمواعظ المؤيدة بالمعجزات ، ومن صفات الأنبياء الآتين بعدهم وغير ذلك مما هو في غاية الوضوح لمن قضينا بسعادته ، وذلك أمر يقتضي الألفة والاجتماع وقد-{[58076]} كانوا متفقين وهم في زمن الضلال لا يختلفون إلا اختلافاً يسيراً لا يضر مثله ولا يعد اختلافاً .

ولما كان حالهم بعد هذا الإيتاء مجملاً ، فصله فقال تعالى : { فما اختلفوا } أي أوقعوا الاختلاف والافتراق بغاية جهدهم ، ولما لم يكن اختلافهم مستغرقاً لجميع الزمن الذي بعد الإيتاء ، أثبت الجار فقال : { إلا من بعد ما جاءهم العلم } الذي من شأنه الجمع على المعلوم ، فكان ما هو سبب الاجتماع سبباً لهم في الافتراق ؛ لأن الله تعالى أراد ذلك وهو عزيز .

ولما كان هذا عجباً ، بين علته محذراً من مثلها فقال : { بغياً } أي للمجاوزة{[58077]} في الحدود التي اقتضاها لهم طلب الرئاسة والحسد وغيرهما من نقائص النفوس . ولما كان البغي على البعيد مذموماً ، زاده عجباً بقوله : { بينهم } واقعاً فيهم لم يعدهم إلى غيرهم ، وقد كانوا قبل ذلك وهم تحت أيدي القبط في غاية الاتفاق واجتماع الكلمة على الرضا بالذل ، ولذلك استأنف قوله الذي اقتضاه الحال على ما يشاهده العباد من أفعال الملوك فيمن{[58078]} خالف أوامرهم{[58079]} ، مؤكداً لأجل إنكارهم . { إن ربك } أي المحسن إليك بإرسالك وتكثير أمتك وحفظهم مما{[58080]} ضل به القرون الأولى وبيان يوم الفصل الذي هو محط الحكمة بياناً لم يبينه على لسان أحد ممن سلف { يقضي بينهم } بإحصاء الأعمال والجزاء عليها ، لأن هذا مقتضى الحكمة والعزة { يوم القيامة } الذي ينكره قومك الذين شرفناهم برسالتك مع أنه لايجوز في الحكمة إنكاره{[58081]} { فيما كانوا } أي بما هو لهم كالجبلة{[58082]} { فيه يختلفون * } بغاية الجهد متعمدين له بخلاف ما كان يقع منهم خطأ فإنه يجوز في الحكمة أن يتفضل عليهم بالعفو عنه ، فقد علم أنه لا يجوز في الحكمة أصلاً أن يترك المختلفون من {[58083]}غير حكم{[58084]} بينهم ؛ لأن هذا لا يرضاه أقل الملوك فإنه لايعرف الملك إلا بالقهر والعزة ولا يعرف كونه حكيماً إلا بالعدل ، وإذا كان هذا لا يرضاه ملك فكيف {[58085]}يرضاه ملك{[58086]} الملوك ، وإذا كان هذا القضاء مقتضى الحكمة كان لا فرق فيه بين ناس وناس ، فهو يقتضي بينكم أيضاً كذلك{[58087]} ، ومن التأكيد للوعد بذلك اليوم{[58088]} التعبير باسم الرب مضافاً إليه صلى الله عليه وسلم .


[58075]:زيد في الأصل: أيضا، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد. فحذفناها.
[58076]:زيد من مد.
[58077]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: المجاوزة.
[58078]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: ممن.
[58079]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أمرهم.
[58080]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: من.
[58081]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: إنكارها.
[58082]:زيد في الأصل: بل هو جبلة لها وطبعا، ولم تكن الزيادة في ظ م ومد فحذفناها.
[58083]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: يجر حكم-كذا.
[58084]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: يجر حكم-كذا.
[58085]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الملك.
[58086]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الملك.
[58087]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: لذلك.
[58088]:في مد: الوعد.