السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (17)

{ وآتيناهم } مع ذلك { بينات من الأمر } أي : الموحى به إلى أنبيائهم من الأدلة القطعية والأحكام والمواعظ المؤيدة بالمعجزات ومن صفات الأنبياء الآتين بعدهم وغير ذلك مما هو في غاية الوضوح لمن قضينا بسعادته ، وذلك أمر يقتضي الألفة والاجتماع وقد كانوا متفقين وهم في زمن الضلال لا يختلفون إلا اختلافاً يسيراً لا يضر مثله ولا يعد اختلافاً ، فلما جاءهم العلم اختلفوا كما قال تعالى { فما اختلفوا } أي : أوقعوا الاختلاف والافتراق بغاية جهدهم { إلا من بعد ما جاءهم العلم } أي : الذي من شأنه الجمع على المعلوم فكان ما هو سبب الاجتماع سبباً لهم في الافتراق { بغياً } أي : للمجاوزة في الحدود التي اقتضاها لهم طلب الرياسة والحسد وغيرهما من نقائص النفوس { بينهم } أي : واقعاً فيهم لم يعدهم إلى غيرهم ، وقد كانوا قبل ذلك وهم تحت أيدي القبط في غاية الاتفاق واجتماع الكلمة على الرضا بالذل ، ولذلك استأنف قوله تعالى الذي اقتضاه الحال على ما يشاهده العباد من أفعال الملوك فيمن خالف أمرهم مؤكداً لأجل إنكارهم { إن ربك } أي : المحسن إليك { يقضي بينهم } أي : بإحصاء الأعمال والجزاء عليها { يوم القيامة } أي : الذي ينكره قومك الذين شرفناهم برسالتك { فيما كانوا } أي : لما هو لهم كالجبلة { فيه يختلفون } بغاية الجهد ، والمعنى : أنه لا ينبغي للمبطل أن يفرح بنعم الدنيا ، فإنها وإن ساوت نعم المحق أو زادت عليها فإنه سيرى في الآخرة ما يسوءه وذلك كالزجر لهم .